من المتوقع وجود فجوة وفراغ بين قصائد الشعراء في تسلسلها كلما طالت المدة جراء التباعد الزماني والمكاني، وهذا التباين يشمل كل ما يطرقونه من فكرة ومضمون. هذا متوقع وطبيعي لو حصل، فقصيدة قيلت اليوم لن تتوافق مع قصيدة قالها شاعر منذ ثلاث مئة سنة. لكن هل حصل ذلك؟ وهل هذا التوقع مبني على استشراف صحيح أم أنه استشراف خاطئ؟ الملاحظ أن الفجوة أو الفراغ غير موجودين نهائياً، وهذا لا يعني عدم وجود صفات تميز القصيدة وزمنها والبيئة الاجتماعية التي قيلت فيها، والثقافة السائدة. لكن التقارب الشديد واضح فيما بينها، وكأن الفارق سنوات وليست مئات السنين، فراشد الخلاوي وجبر بن سيارة أو رميزان بن غشام أو محسن الهزاني أو مرشد البذال أو رشيد الزلامي أو ناصر بن شنار.. إلخ، وهم كثر، والتمثيل ببعضهم يمثل الكل، يشتركون في توجه إيجابي واحد وكأنه ينعدم الزمن بينهم. هذا التوافق في المضامين يردم أي فكرة أو فراغ، وهو راجع إلى نواحٍ عدة أهمها عدم وجود فوارق كبيرة في البيئة الاجتماعية بين ماضيها وحاضرها، وتكاد تكون واحدة أو تقترب من التشابه في أساسها وبنيتها وما تريد أن تكون عليه، والمقصود بيئة لها محدداتها وشعراؤها، ولا يعني ذلك مقارنة مع بيئات أخرى، وعلى هذا الأساس احتفظت القصيدة بنمط محدد وشخصية واضحة. العامل الآخر، تمسك المجتمع بعادات وثوابت وتطلعات معينة يحرص المجتمع ويحرص الشاعر أيضاً على أن تبقى في الصدارة، ويعتبرها أساس تفرده وجزءاً من شخصيته لما في التمسك بها من نفع وقيمة مثل الكرم وحسن الجوار والشجاعة والسمت والفضائل بكل أنواعها، فهذه كلها تعد روح الحياة الاجتماعية وأيضاً رسالة الشاعر. وبهذا تبدو كثير من القصائد بعنوان ومضمون متقارب إن لم يكن واحداً وكأنها قيلت في يوم واحد مع أن بينها مئة أو مئتي سنة وأكثر، وما ذلك إلا لأن الهدف واحد كما لو أشاد الشاعر بمن كانت طباعه السخاء والإخاء وبالطيب فهذه المفردات تبقى كما هي عبر الزمن، فهي مشترك إنساني والحاجة لها مستمرة. والشاعر في كل زمن يحرص على تناول الجوانب الإيجابية، كونه لسان مجتمعه الذي يعبر عن حاجاته ويحافظ على ثوابته، وأما إن وجدت فوارق فهي بين قدرات الشعراء لا مضامين قصائدهم. يقول الشاعر مرشد البذال: لو كل من قال المثايل عسفها ما صار نقص بالمعاني ولا زود والبندق العوجا تجنب هدفها لا صار منظرها عن القطر مصدود وغاية جميع الخلق محد عرفها رضا جميع الخلق ما هوب موجود و يقول راشد الخلاوي: ولا عاقل الا جليل مكرم ولا قانع إلا يحبون جانبه والأطماع ذل والقناعة معزة والصدق نور والتقى صان صاحبه ومن لا يكون غناه في داخل الحشا فالطرف ما يملاه إلا ترايبه ويقول الشاعر فيصل بن مرزوق: وقف مع الطيب ولا تقصر بشي دامك على قيد الحياة فتجمل ما قلت لك خلك مثل حاتم الطي لكن خويك لا نصاك فتحمل ويقول الشاعر فيصل الميزاني: والله إني يوم أدقق في البشر وأعاين تتضح لي حاجة ما هي منول فيهم خلو هروج السعة والفلسفة والباين مثل شمس الظهر يالله عاد لا تعميهم ونختم بالتساؤل: هل سيستمر التشابه كبيراً بين قصائد جيل الشعراء الجدد والمستقبل كما كان بالأمس واليوم، أم أن المؤثرات الحالية سيكون لها أثرها السلبي؟ مع العلم أن المؤثرات الحالية قلبت كل صفحة الأمس جذرياً بشكل لم يحدث مثله في التاريخ، صاحبه تحول العالم إلى قرية تتلاطم أمواجها. الواضح أن الثوابت لا تتغير وأن ما يفضله الإنسان يبقى بارزاً في إنتاجه الأدبي والشعري وغيره، وهذا هو الأمل والمؤمل أن يبقى الشعراء يمجدون الفضائل ويحرصون على أن تكون سائدة. رشيد الزلامي رحمه الله مرشد البذال رحمه الله ناصر الحميضي