انتقل إلى رحمة الله الأسبوع الماضي الشاعر الكبير صحن بن قويعان بن عواد الجبلي المطيري أحد عمالقة الشعر في الخليج العربي ومن أكثرهم جزالة وعذوبة بعد مشوار حافل بالعطاء.. ولد رحمه الله سنة 1927م في البادية وعاش جزءاً كبيراً من حياته في مرابعها متأثراً ببساطة الحياة وشفافيتها وصفائها الفريد بالذات مع بداية نشأته الشعرية والتي بدأت في سن السادسة عشرة ورغم تمسكه بحياة البادية والترحال المستمر ولومه للكثير من جماعته الذين فضلوا حياة الاستقرار بين السعودية والكويت في مرحلة من المراحل إلا أنه ما لبث أن لحق بهم منتصف الثمانينات محتفظاً بقدر كبير من محبته لمرابعه في فضاء الصمان ودبادبه التي احتلت حيزاً من وجدانه وظلت تلازمه بذكرياتها طيلة حياته ومن القصائد التي قالها رحمه الله عندما بدأت جماعته النزوح إلى المدن وإلى دولة الكويت بالذات، ويبدو أنها كانت مع بداية الستينات والقصيدة طويلة منها قوله: عديت راس ابرقٍ من بين عرقيني في حد حير العصل من ماقف ابوابي وقمت اتذكر ابراسه وانشد العيني يوم انعمس خاطري في راس مرقابي ياعين وين الربوع اللي توديني ماشوفهم لو رقيت مع املطٍ نابي حتى قال: والضيف لاضافهم بادوه بالليني لادش بأرباعهم عن الكدر غابي من دارهم بالموده واجه الزيني ومن دارهم بالقشر جوله نسم دابي أحلى من الغند لاصبوه بالصيني وامر من حنظل الكنه اليا شابي حتى قال: هذا قضا مامضا جاء دورهم شيني كلٍ بناله عشيش وحطله بابي يا الله عساهم ابمنزلهم عزيزيني من حبله منزلٍ في خاطره طابي وانا مدام اني القا من يباريني ابنزل البر الأصبح والله اولابي اليا ناض برقٍ على خدٍ يشهويني قلت اطون البيت وزونه بالطنابي عمري وصل حروة التسعين والموت قام يتحراني كانت القصيدة هي التي تستدعيه -رحمه الله- في كثير من الأحيان ويبدع أكثر عند ما يستفز حتى كان يوصف ب»العود» الذي تحتاج أن تحرقه بالجمر حتى تشم رائحة عطره ووفقاً لابنه محمد: فإن مجمل أشعاره تدل بأنه لا يتعامل مع الشعر إلا في حالات الانفعال الشديد. إلا أنه يظل محتفظاً بأسلوبه في سبك قصائده وانتقاء كلماتها بعيداً عن أسلوب التكلف الذي يفسد القصيدة ويجعلها مملة. وعلى الرغم من أنه طرق جميع ألوان الشعر وقصائده منتقاة ومركزة ولا يحب الاسترسال بها أكثر من أبيات محددة إلا أنه كان أكثر إبداعاً في الغزل العفيف، وعندما تقرأ بعض قصائده تشعر بوجود رابط قوي بينها وبين كثير من وجدانيات الشاعر الكبير عبدالله بن سبيل -رحمهم الله- خصوصاً عندما يربطها بوصف انتجاع البدو ودراماتيكيات الرحيل التي عادة ما تسبق تقوض مظاهيرهم وهي تغادر المكان ومن هذه القصائد قصيدة وصف بها هذه الحالة ووجه بها الشكوى لأحد أبنائه بقصيدة طويلة منها قوله : لا والله الا شدوا البدو يا شعاق والحضر وسط قصورهم ما يشدون شافوا سهيل ونور سفران ما ساق وقاموا هل الزمل الهمل له يردون وجا للدبش هو والضعاين تصلفاق ما عاد تسمع كود قولة على هون ما يسمعون مولع القلب لو ضاق ولا يسمعون اللي عليهم يصيحون حتى قال: حطيت قصر فيه من كل الارناق شبعه وكسرت شف واقعاد مسجون ليته إلى سقته عن الدار ينساق لا عفت قرب الجار بعته بغليون تربط الشاعر علاقة ود ومحبة بالكثير من الشعراء وإن كانت صداقته مع الشاعر الكبير محمد الخس -رحمهما الله- والتي تخطت الستين عاماً وبينهما مساجلات كثيرة تتخطى مفهوم الصداقة إلى الإخوة العميقة والارتباط الروحي وتشهد مسيرتهما الشعرية وحالات التجاذب قوة هذه العلاقة وكما أسلفنا بينهما كثير من المداعبات والممالحات العذبة. وفي هذا المجال يأتي رده -رحمه الله- ليعكس شخصيته الحقيقية المتسمة دائماً بالحكمة والعقلانية وبالواقعية الممزوجة بالطرفة. وهنا نماذج لهما عندما استفزهما الشاعر الكبير مفرح الضمني في قصيدته: يا سبق سيارة راحت بمزيونة دزيت انا موتري وازريت لا الحقها باليت سواقها ماشي على هونه لو ربع ساعة مع السكة نرافقها لو شافها الخس بيح كل مكنونه وابن قويعان يدبح ما يفارقها غروٍ تشوف الدلال بنظرة عيونه مع حلو منطوقها بيضٍ عواتقها بغيت شوفه وحال البعد من دونه الخط مفتوح والغيرة بسايقها ما احسبت أنا موتري يصير به خونة كن التواير من الشارع ملفق رجلي تلحه وكفي في دركسونه ومكينته دوختني في توندقها ورد الشاعر صحن بن قويعان: يا مفرح العشق له ناسٍ يعرفونه طرايق اليوم ما تركب طرايقها اللي هواها على الموتر يعافونه خلوه للي مع السكة يسابقها اللي يجاوب حمام الورق بلحونه اليا شافها تلتفت فاع وتعنقها لو انها ما تعرف العقل مجنونة يقول يا زينها سبحان خالقها وانته علومك عن الزلات مصيونة مزارعك تنبت العنبر حدايقها راع الهوى الناس مثلك ما يلومونه مير البلا اللي عن القبلة يشرقها وانا غسلت الهوى كله بصابونة نفسي عطيتك يا ابو فيصل حقايقها من يوم عمري بلغ خمسين مضمونه بيباني اللي على دربه مغلقها اللي مقفي تراني ما اتبع ظعونه واللعبة اللي بها منقود ما انطقها قصيدتي في محمد ليه تنسونه ورى علومي تجيك ولا تصدقها ثم جاء رد محمد خلف الخس: يا مفرح البنت في هرجتك ممنونة ترغب يا ابو فيصل انك ما تفارقها بعض العذارى تبيك وفيك مفتونة كم جادلٍ قبل عاشقتك وعاشقها يوم انت في زمتك ما تطلب العونة تهرف كما الذيب وأهدافك تحققها واليوم رجلك عن المرقاب ماهونة ما هو ردا.. فيك مير الله عايقها اترك هوى.. اللي تجيك بلطف وليونة تبا تخسبقك جعل الله يخسبقها كان يرحمه الله رجل كرم وجود ومجالسه مفتوحة لرواد الشعر ومحبيه وكان بالإضافة إلى ذلك من أهل الحكمة والرأي ومن رجال المواقف في قبيلته. وعند ما تقدمت به السن صار يميل إلى قصائد التضرع إلى الله وطلب العفو وحسن الخاتمة.. ياسعود ليت الشباب يعود ليته يجي لا تمنيته لاشك معاد هو موجود بغيت ممشاه واخطيته أقفت عليه الليال السود من كثر ما هي بطاويته كم ليلةٍ والعباد رقود خلا منامه وخاويته يتلني مع دعث وحيود وليا بغا الضلع نطيته واليوم فترت عظام العود معاد يصعد درج بيته أطلب من الواحد المعبود يغفر ذنوبي ليا جيته ومن آخر قصائدة التي تم تداولها بعد وفاته وهي ثلاثة أبيات: عمري وصل حروة التسعين والموت قام يتحراني الصبح أبا أفارق الغالين ما خذت دينار من مالي حطوا علي تراب وطين وقعدت في قبري لحالي محمد الخس مفرح الضمني