«العيد».. كلمة صغيرة في عددِ حروفها، كبيرة في معناها، لما تجمع في طياتها ومدلولاتها من الفرح والحبّ، وبالنسبة للمسلمين يأتي عيد الفطر بعد الفراغ من إقامة ركن من أركان الإسلام وهو صوم شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن الكريم على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويرى فيه المسلمون فرحة كبيرة منحها الله لهم في أعقاب صوم شهر كامل، قاموا فيه بعبادة الله بالصيام وتلاوة القرآن وأداءِ مناسك العمرة، والصدقة وغيرها من أعمال الفضيلة والخير، وعيد الأضحى، والذي يأتي بعد إقامة شعائر الحجّ التي هي ركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً، وبعد مشقة الترحال من وإلى بيت الله الحرام، فالعيدان تزدهر بهما النفوس ويسود التّراحم والتزاور بين الأقارب؛ ليصل بعضهم بعضاً، ويعطف بعضهم على بعض، ويتفقد بعضهم أحوال بعض، فتعم المودة والرحمة، عملاً بما حثّ عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسّلام. وبما أن الحديث عن العيد ومشاعر الفرح فلابد أن أتذكر وطني السودان، عمق بهجتي وحديث مهجتي، كيف لا وقد قوي عودي في رباه وتشربت نسائمه غذاء لروحي وترعرعت في أرضه الخصيبة بكل أنواع الإبداع والجمال وقضيت فيه أعياداً من بواكير العمر طفولة وشباباً صقلتها فيما بعد بتجربة حياتية في بلدي الآخر المملكة العربية السعودية التي لم أشعر فيها يوماً ولو للحظة واحدة أنني بعيداً عن «واد مدني» مدينتي الصغيرة الحالمة في ضواحي السودان، متنقلاً بين مدن المملكة الجميلة الرياضوجدة ومكة والدمام وباقي مدنها الغالية وكأني ذاهب وآت بين العاصمة الخرطوم وأم درمان، وكسلا وبورت سودان وواد مدني وغيرها من مدن وطني الحبيب، معايشاً إخوة لي في اللغة والدم والدين، أبناء الشعب السعودي المعطاء الكريم، الذين غمروني بالحب والتقدير ما يزيد على ربع قرن كانوا الأهل والإخوان والصحبة والأحباب. وبما إنني تطرقت إلى مظاهر الفرح والعيد السعيد فلابد من الإشارة إلى بعض المشتركات التي تشابهت في البلدين الشقيقين مثل إعداد الحلويات والكعك، صبيحة العيد ولبس الجديد والولائم الشعبية والقهوة والشاهي فقد عايشتها هنا وهناك وبنفس الطريقة والأسلوب تقريباً في إعدادها وتقديمها، فبعد أن تؤدى صلاة العيد في الجوامع، والساحات المخصصة لذلك من قبل الجميع رجالاً، ونساءً، وكباراً، وصغاراً، يشرع السودانيون أبواب منازلهم لتبادل الزيارات والتهاني متصافحين ومتحابين. وهناك بعض العادات والتقاليد السودانية الجميلة في فترة العيد، حيث يفد كافة أهالي الحي الواحد إلى أكبر رجل من رجالات الحي، للسلام عليه وتهنئته بالعيد وتناول وجبة الإفطار في منزله يحمل كل واحد منهم ما رزقه الله إياه من طعام ميسور، ثم بعد ذلك يذهبون للسلام على المرضى الذين أقعدهم المرض عن الاستمتاع بمباهج العيد، ولكبار السن الذين لا يستطيعون التنقل، ومن هنا يقضي السودانيون يوم العيد الأول في تبادل التهاني بين الأهل والجيران، وبعد العصر، تبدأ زيارات الأهل، والأصدقاء الذين يقطنون في أحياء بعيدة. ومن المفارقات الجميلة أنه من شدة سعادة الشعب السوداني بمجيء العيد، فإن هذه الزيارات، والرحلات العائلية، والأوقات الجميلة، تستمر لأيام من شهر شوال، كما يحب السوادنيون في هذه المناسبة قضاء بعض الأوقات على ضفاف نهر النيل. ومن العادات المميزة والمحببة لدى هذا الشعب كما في باقي الشعوب العربية عادة العيدية، وهي الهدية النقدية التي يعطيها الكبار للصغار، وللأرحام من النساء. أعاد الله العيد وبلدي في أحسن حال وجميع بلاد المسلمين.. آمين.