في العقد الثاني من القرن السادس عشر وتحديداً في العام 1517 ميلادية، أرسل السلطان العثماني سليم الأول رسالة إلى طومان باي قائد المماليك في مصر تطالبه بالتسليم والاستسلام لدولة الأتراك التي ضمت حينها حلب والشام وغزة وبدأت في السعي لضم مصر كولاية إلى الإمبراطورية العثمانية، إلا أن طومان باي رفض التسليم وقتل الرسل الذين أرسلهم سليم الأول، فاندلعت المواجهة وانتهى الأمر بهزيمة المماليك وزالت سلطتهم التي استمرت لأكثر من قرنين ونصف القرن وتحديداً 267 عاماً. واحتلت قصة طومان باي مكانة كبيرة في وجدان المصريين لأجيال متتالية بعد شنقه على باب زويله في 13 أبريل 1517، وسط صراخ الناس وعويلهم، وكان موكب طومان باي قد تحرك به بعد أسره من معسكر سليم العثماني فى منطقة إمبابة عابراً إلى بولاق ومن شوارع القاهرة إلى باب زويله وقبل شنقه قال للناس: "اقرؤوا الفاتحة ثلاث مرات" ثم طلب من الجلاد أن يعدمه، وظل الناس يقرؤون الفاتحة عند مرورهم تحت باب زويله فى مكان الواقعة. أمر السلطان العثماني سليم الأول بإبقاء جثة طومان باي معلقة على باب زويله لمدة ثلاثة أيام، ليسدل الستار على دولة المماليك وتبدأ حقبة الحكم العثماني لمصر، وبعد مرور أكثر من خمسة قرون على بدايته، لم تنس صفحات التاريخ خطايا الغزو العثماني لمصر وما فعله سليم الأول والتدهور الذي لحق بالبلاد، ولم ينس المصريون أنفسهم أطول فترة اضمحلال ونهب آثارهم والتراجع السياسي والاقتصادي. واستجابت السلطات المصرية مؤخراً لمقترح قدمه المؤرخ المصري د. محمد صبري الدالي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان، بتغيير اسم شارع "السلطان سليم الأول" الكائن بحي الزيتون في العاصمة القاهرة بعد عقود من تسميته بهذا الاسم نسبة لتاسع سلاطين الدولة العثمانية الذي استمر حكمه منذ العام 1512 حتى 1520 ميلادية. وقال د. محمد صبري الدالي في تصريحات ل"الرياض" إن هذا الرأي نشأ من فكرة أن الوجود العثماني كان احتلالاً وليس فتحاً كما ردد البعض منذ عقود وقرون، وهذه نقطة أولية على أساس أن الفتح الإسلامي مرتبط بدخول المسلمين لبلاد لم يكن قد دخلها الإسلام من قبل، أما مصر أو الشام أو الحجاز أو اليمن أو شمال أفريقيا أو العراق أو غيرها فجميعها بلاد انتشر فيها الإسلام منذ قرون طويلة، وبالتالي يجب أن نتفق على أنه لا يمكن أن نحتفي بأسماء محتلين لبلادنا، إذا كنا لا نحتفي بإطلاق نابليون بونابرت أو لورد كرومر أو غيرهما فلا يجب أن نحتفي باسم السلطان سليم الأول باعتباره غازياً محتلاً للمنطقة وعلى رأسها مصر في ذلك الوقت. وأضاف الدالي أن الاحتلال العثماني تم في العام 1517م، وأنه قدم المقترح في العام 2017م في الذكرى 500 للاحتلال العثماني للمنطقة العربية، وإذا كان تم إطلاق أسماء سلاطين عثمانيين احتلوا بلادنا لظروف سياسية أو تاريخية معينة في الماضي، فعلينا بعد أن أصبح لدينا وعي بتاريخنا وإذا كان لدينا احترام لأنفسنا أن لا نقبل استمرار هذه الأسماء على شوارعنا، وعلى رأسهم السلطان سليم الأول؛ لأن هذا الرجل عندما جاء إلى مصر والمنطقة سيطر عليها بالسيف والنار والحديد والدم وبالتالي قتل الآلاف من أبناء مصر والمنطقة، وترتب على احتلاله نتائج تستمر لسنوات طويلة. وأوضح الدالي أن المقترح كان قد قدمه للجنة تسميات الشوارع والميادين باعتباره عضواً فيها ووافقت اللجنة التي يترأسها محافظ القاهرة عليه، وهذا كان نوع من التنبيه إلى أنه لابد من إعادة النظر في مثل هذه الأمور التي تبنى على دراسة التاريخ واستكشاف رأي المصريين أنفسهم. وقال المؤرخ المصري د. عاصم الدسوقي، العميد السابق لكلية الآداب جامعة حلوان، أن الأتراك هزموا الصفويين في معركة جالديران العام 1514م، ولأن المماليك وقفوا إلى جانب الصفويين فبعد هزيمة الصفويين تصادم الأتراك مع المماليك آنذاك بقيادة سليم الأول وهزموا السلطان الغوري في واقعة مرج دابق شمال سورية، ثم خليفته طومان باي في منطقة الريدانية بالقاهرة وعلقوه على باب زويله، وأصبحت مصر ولاية عثمانية، ولم يضف الأتراك شيئاً للبلاد التي دخلوها والتي كانت أكثر منهم حضارة، ومنها مصر وهي حضارة قديمة قبل نشأة هؤلاء الأتراك. وأشار الدسوقي إلى أن الأتراك سيطروا بقوة السلاح، ويرسلون الوالي من إسطنبول وليس من أبناء مصر، ويجمعون الضريبة بالقوة ويحملون المال إلى إسطنبول، وكانت هناك وظيفة اسمها "الصرجي" وهو حامل صرة المال الذي يجمع الأموال ويدفعها للسلطان في إسطنبول، العثمانيين ساعدوا على عزلة البلد حيث منعوا مرور المراكب التجارية الأوروبية التي كانت تأتي من باب المندب إلى مدينة السويس المصرية ومنها إلى الإسكندرية ثم إلى أوروبا، وكانت هذه التجارة تحمل معها ثقافة الشعوب التجارية من لغة وبضائع ومثل هذه الأمور، وبالتالي منعوا مرور المراكب خشية أن تكون محملة بالسلاح، فانعزلت مصر عما يدور في العالم قرابة أربعة قرون تحت حكم العثمانيين. 1