اعتبرت الانتخابات المحلية الأخيرة استفتاءً على شعبية أردوغان، الذي يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة حزب العدالة والتنمية؛ مما جعله يسخر كل شيء لخدمة مرشحي الحزب في الانتخابات، وقاد تحالفاً قوياً تعهد بالفوز الساحق، وصور الانتخابات البلدية على أنها معركة حياة أو موت، إلاّ أنّه خسر أكبر ثلاث مدن تركية؛ أنقرة، إسطنبول، إزمير. عاش أردوغان وقتاً عصيباً بعد خسارة مرشح حزبه في إسطنبول بن علي يلدرم، حيث أعلن فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو بفارق قارب ال14 ألف صوتاً، الأمر الذي دفعه للضغط بشدة لإعادة فرز أصوات الانتخابات البلدية الأخيرة، لكن بعد الانتهاء من إعادة الفرز في جميع صناديق الاقتراع لم تتغير النتيجة، وجرى التصديق على فوز إمام أوغلو بعد 17 يوماً من الانتهاء من التصويت ليتولى أكرم إمام أغلو منصب رئيس بلدية إسطنبول. احتفالات الشعب التركي بالفوز لم تدم طويلاً، حيث قررت اللجنة العليا للانتخابات إعادة إجراء الانتخابات المحلية في مدينة إسطنبول، وإلغاء نتائج انتخابات إسطنبول، وإجراء تصويت جديد في يونيو المقبل، بعد أن قاد أردوغان حملة قوية للضغط على اللجنة وإجبارها بإعادة الانتخابات، الأمر الذي قوبل برفض محلي ودولي، حيث اندلعت الاحتجاجات في إسطنبول، وتجمع المئات في أحياء متفرقة من المدينة، مرددين شعارات مناهضة لحكومة أردوغان. كما وجهت عدة دول غربية انتقادات للقرار، حيث طلب الاتحاد الأوروبي لجنة الانتخابات التركية بتوضيح عاجل لأسباب القرار، واعتبر عضو البرلمان البلجيكي أن "تركيا تنجرف نحو الديكتاتورية"، ووصف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس القرار ب"غير المفهوم"، معتبراً أن ذلك يهدد انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فيما حثت فرنسا السلطات التركية على "احترام مبادئ الديمقراطية"، بينما أكدت وزارة الخارجية الأميركية أنّ واشنطن تدرس عن كثب ما يجري في تركيا، مشددة على أنّ "العملية الانتخابية الحرة والنزيهة والشفافة هي ركيزة أساسية لأي ديمقراطية". "إن من يسيطر على مدينة إسطنبول سيحكم تركيا" كانت هذه مقولة أردوغان الشهيرة رددها طويلاً إبان تنافسه على رئاسة بلدية المدينة، ولهذا لم يكن أبداً متقبلاً لفكرة خسارتها في الانتخابات الأخيرة، حيث شهدت بدايات مسيرته السياسية، وهذا ما يفسر سبب حرصه على إعادة انتخابات إسطنبول دون غيرها من المدن التي ربحها معارضو حزب العدالة والتنمية. ولا يمكن حصر أهمية إسطنبول في قيمتها لدى أردوغان وتأثيرها بمسيرته السياسة، فهي تمثل أهم المحركات الاقتصادية لتركيا، إذ تنتج 31 % من إجمالي الناتج القومي التركي، ويعد سكانها ال16 مليون نسمة أعلى دخلاً بين باقي المواطنين الأتراك، وبحسب بيانات مركز الإحصاءات التركي؛ يبلغ معدل دخل الفرد الإسطنبولي 65 ألف ليرة تركي، ولهذا بلغت موازنة بلدية المدينة قرابة عشرة مليارات دولار في 2018م. واستطاع رجال أعمال وشركات مقربة من حزب العدالة والتنمية الفوز بعقود مشروعات كبرى في إسطنبول، منذ أن سيطر الحزب على بلدية المدينة، مما سهل تشغيل مؤيدي الحزب، وساعد في توسيع قاعدته الشعبية، لتكون بمثابة الدخل الثابت ومصدر الكسب لحزب أردوغان، الذي نجح من خلال إسطنبول في تسلق سلم السلطة حتى وصل إلى أعلاه، إلاّ أنّه يخشى أن تكون سبباً في سقوطه!