إن تبني أفكار التطرف والعنف وممارسة الإرهاب من بعض الجماعات والتنظيمات المنتسبة للإسلام لا يرتبط بالدين الإسلامي على الإطلاق، إنما يرتبط بالفهم المغلوط لشريعة الإسلام ونصوص الكتاب والسنة. مع ما يصاحب ذلك من البُعد عن الواقع الاجتماعي الداخلي أو السياسي الدولي، وقد حال ذلك دون استيعاب تلك النوعية من الجماعات والتنظيمات لحقيقة المجرَيَات في الواقعين الداخلي والخارجي، وجعلها أسيرة للماضي، مع إحداث قطيعة كاملة مع الحاضر والمستقبل. وصول الإخوان إلى الحكم لم تكن تجربة ناجحة، وفي تلك الأثناء وقبلها كانت التجربة التركية متوهجةً في أذهان العرب، وأصبح النموذج التركي الذي أثبت أن الإسلام لا يتناقض مع الديمقراطية، هو النموذج الذي يتمناه الجميع، فانخدع الملايين بالنظام التركي الحالي واستبشروا خيراً عندما وضع حداً لتدخل الجيش التركي في السياسة، وعندما انتقد السياسة الإسرائيلية وطالب بالعدالة للفلسطينيين، رغم العلاقات الوثيقة التي تربط البلدين. وقد أدى ارتفاع وبزوغ نجم أردوغان بشكل غير مسبوق إلى تصوره بأنه أصبح قادراً على خلع القناع الزائف الذي خدع به الجميع، الذي ارتداه لسنوات طويلة ليعبر للعالم عن وجهه الحقيقي الذي أخفاه طويلاً. تركيا لها أهداف ومصالح تسعى إلى تحقيقها، وهذا شيء طبيعي ومقبول في عالم السياسة البعيد عن الأخلاق والقيم. لكن من غير المقبول أن تبني سياستها ومصالحها على حساب مصالح دول أخرى. ومن هنا ينبغي التأكيد على أن النظام الحالي التركي لم ولن يكون حليفاً مخلصاً للعرب، بل إنها دائماً ما تسعى إلى مصالحها فقط، وتوسيع نفوذها الإقليمي على حساب الجميع. وعلى ذلك فقد وجدت تركيا العلمانية ضالتها في مشروع الإخوان الوهمي، حيث إنه يُلبي طموحاتها في الهيمنة على المنطقة، وبخاصة عندما ظهرت النتائج الأولية المتجهة نحو فوز قوي للإخوان في المنطقة، مع ما تتبناه هذه الجماعة لنموذج حزب العدالة والتنمية، فسارعت إلى دعمهم بكل ما أوتيت من قوة، كما جعلها ملاذاً آمناً لهم بعد سقوط وفشل مشروعهم؛ فاتخذوا منها منصات إعلامية موجهة ضد بعض نظم الحكم في المنطقة، ولست في حاجة إلى التدليل على مدى التماهي بين أردوغان والإخوان، حيث تجد أن أخباره لها الأولوية لدى القنوات التابعة لهم، مع ما يصاحب ذلك من تمجيده وإظهاره بمظهر خليفة المسلمين والزعيم الملهم، ناهيك عن تشويههم لكل معارضيه. فهم يجمعهم الرغبة في الحُكْم من خلال المصالحة مع أميركا وأوروبا، وليس من خلال الصراع معهما - كما يدّعون كذباً وبهتاناً - وذلك باعتبارهم ممثلين للإسلام المعتدل الذي يشكل جزءاً من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتبناه الدول الغربية. إن أحلام إعادة أمجاد الماضي قد تجاوزها الزمن، ولن يستطيع إعادتها مرةً أخرى، حيث باتت أوهام الخلافة والإمبراطورية في ذمة التاريخ.