فعندما نكون على علاقة بشيء ما أو شخص ما، فإن أي موقف أو حدث سلبي ننظر له على أنه إساءة لشيء نؤمن به أو نعتقده أو إساءة لنا، ولذلك فإن من الحكمة فصل الموقف عن العاطفة.. لدى كل منا قوانينه القيمية، التي تدل عليه، والتي عادة ما توجه حياته داخل محيطه المجتمعي والإنساني، بل في مجمل تفاصيل علاقاته، التي تقوم على جذر أخلاقي، وقد تناولها أرسطو من منظور إنساني. فمن يتحلى اليوم بالقيم الإيجابية الواضحة بمقدوره اكتساب الثقة بالنفس، والتعامل بفعالية مع المواقف التي تحدث له، وذلك عندما يكون واضحًا وضوحًا مطلقًا بشأن القيم والقناعات الخاصة به. فالحياة المبنية على قواعد القيم الإنسانية هي وحدها الحياة التي تقود إلى الوضوح والحياة الحقيقية. والسؤال: ما مكاننا من هذه الثقافة؟ إن أهم نقطة ينبغي لنا تأملها أننا أحيانًا ننظر إلى بعض النابهين أو الناجحين أو المثاليين بالفعل على أنهم منعزلون أو غير اجتماعيين أو غير فاعلين في الحياة العامة. والحقيقة غير ذلك، فواقع حياتهم يؤكد أن لديهم معايير شديدة الانتقائية في فهمهم ومستوى حياتهم واختيارهم الأشياء والأشخاص الذين يشاركونهم تصوراتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم. ولذلك يسعون إلى تكوين علاقات ذات نوعية فائقة، ويتجنبون الهامشيين أو السلبيين الذي يحولون بينهم وبين رقي حياتهم. لنتأمل هذه الفكرة مرة أخرى من منظور مختلف نوعًا ما. ففي دراسة للمفكر براهام ماسلو حول الأشخاص الفاعلين مكتملي الأداء، الذين يتطلعون إلى تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم، وجد أن هنالك سمة بارزة يتقاسمونها فيما بينهم، فهم في منتهى الأمانة، صادقون مع أنفسهم وموضوعيون وواضحون بشأن مواطن قوتهم ونقاط ضعفهم، ولا يضيعون لحظة واحدة من لحظات حاضرهم في التفكير في المستقبل، فاعلون بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، يتفاعلون ببساطة مع المواقف، لديهم نوع من القبول الواعي والقدرة على الابتهاج، يسعون وراء الخبرات والتجارب الجديدة، متحررون نسبيًا من آراء الآخرين، لا يشعرون بالحاجة إلى أن تنسجم الأشياء والأشخاص والمواقف مع تصوراتهم، ينظرون لأي حدث أو موقف بموضوعية، ليس لديهم مجال للكراهية، ولم يتظاهروا بأنهم أشخاص آخرون غير ما هم عليه. ولذلك لم يكونوا مضطرين إلى السعي لكسب موافقة الآخرين في تصوراتهم وأطروحاتهم، فهم يركنون إلى أفكارهم وقراراتهم الخاصة، ولذلك لم يتأثروا باتفاق أو اختلاف الآخرين معهم. فعندما نكوّن صورة مثالية للأشخاص، الذين نود أن يكونوا جزءا من حياتنا والطريقة التي نود أن يعاملونا بها، والصورة التي يبدون عليها في أذهاننا، والصفات التي يتحلون بها، فإننا في الواقع تنتقي أشخاصًا جديرين بالإعجاب والتقدير والجدارة. ولذلك فإنه لا يمكننا اجتذاب أناس يتصفون بصفات تخالف الصفات الإيجابية والفاعلة التي نحن عليها، ففي داخل كل منا منظومة من الأفكار والمشاعر التي تحدد لنا بوضوح الكيفية العقلية، التي نرى بها الأشخاص والأشياء والمواقف، ففي بعض الأحيان نعتقد أنه لولا هذا الشيء أو هذا الشخص أو هذا الموقف لسارت بنا الحياة على نحو مختلف. والحقيقة غير ذلك، فقد أكدت الدراسات الاجتماعية أهمية فصل المشاعر عن المواقف للابتعاد عن الموقف عاطفيًا والتعامل معه عقليًا، وإلا سنكون بالغي الحساسية تجاه الأشخاص، وسوف نأخذهم على المحمل الشخصي تمامًا كما لو أن ما قيل موجه لنا عن وعي وقصد. رغم أن الحال - حسب رؤية المفكر تراسي - نادرًا ما تكون كذلك، فالحقيقة أن معظم الناس مشغولون بأنفسهم بنسبة تصل إلى 99 في المئة من الوقت، ويخصصون الواحد في المئة المتبقي من طاقاتهم للآخرين في هذا العالم بمن فيهم أنت وأنا. لذلك فإن الشخص الذي يتجاوزنا في زحام المرور هو أكثر استغراقًا في أفكاره الخاصة، فهو غير مدرك لوجودنا، وسيكون من التسرع أن ينتابنا الضيق لتصرفه غير المقصود، فالحقيقة أنه ما من شخص يفكر في شأننا على الإطلاق، وهذا هو ما يُحدِث المعاناة السلبية لنا. فالمعاناة السلبية بشقيها العقلي والنفسي مضيعة للوقت وللحياة، فليس أحد في حاجة إلى أن يتعايش مع مشاعر وأفكار غير فاعلة. ووفقًا للمفكر الروسي أوزنبسكي، فإن السبب الرئيس للمعاناة السلبية التلازم ما بين الموقف والعاطفة. فعندما نكون على علاقة بشيء ما أو شخص ما، فإن أي موقف أو حدث سلبي ننظر له على أنه إساءة لشيء نؤمن به أو نعتقده أو إساءة لنا، ولذلك فإن من الحكمة فصل الموقف عن العاطفة. فمعظم المآسي التي تمر بنا تأتي من جراء توحد الموقف مع العاطفة، فعندما نفصل العاطفة عن الموقف يؤدي العقل دوره بشكل موضوعي، فنرى الأشياء بوضوح كامل.