ضرب الحزن أطنابه في منزل أم محمد بفقد عائلها، حيث تجرعت مرارة الفراق، التي تتجدد كلما نظرت إلى أبنائها الصغار، الذين كُتب لهم اليتم، مرت أيام عصيبة خلال مدة الحداد، انتهت بكونها أرملة تسعى على أيتام، طرق بابها كثير من الخطّاب، فهي ما زالت في عمر الشباب، لكنها آثرت أن تضحي بشبابها من أجل رعاية هؤلاء الأيتام، رغم الإغراءات التي عرضت عليها من خطابها بأن يضموا أبناءها إليهم ويعاملوهم كأبنائهم، لكن عاطفة الأمومة لم تسمح لها بأن تجعلهم تحت تصرف زوج أم لا تدري لعله مع مرور الأيام يكون ظالماً لهؤلاء الأيتام، فالأيام كفيلة بأن تخرج الطباع وإن تدثرت بدواعي الحب والزواج، قررت بصمت أن تكرس بقية حياتها في تربية أبنائها الأيتام، ولأن زوجها لم يترك لها أبيض ولا أحمر، فقد اتجهت إلى العمل من أجل سد حاجتها وحاجتهم من دون الحاجة إلى ذل السؤال حتى من أقرب قريب من أم وإخوة وأخوات، فاشترت ببعض ما ادخرته لتقلبات الزمان «ماكينة» خياطة، وتعلمت بسرعة فنون الخياطة والتطريز بعد تصميم وإصرار ومحاولات جادة حتى أتقنتها، بدأ نساء الحي يستعن بها في خياطة ما يلزمهن من ملابس، سعت بكل ما أوتيت من قوة على أن تحقق لأبنائها كل ما يطلبوه من دون أن يحسوا بفراغ فقد الأب، ومرت السنون وتخرج الأبناء وانخرطوا في سوق العمل، وكوّنوا أنفسهم سريعاً، وصارت والدتهم في حياتهم كل شيء، فهي المربي والموجه والداعم، حرصت على بناء بيت جديد يتسع للأسرة التي كبرت بزواج الأبناء وسكناهم، جنباً إلى جنب مع والدتهم التي تركت العمل في الخياطة، بعد أن منَّ الله على أبنائها بالالتحاق بالوظيفة، وقضت بقية عمرها مكرمة معززة بفضل رد الجميل لها من قبل أبنائها الذين بالغوا في برها. مثل حالة أم محمد وقصة كفاحها وصبرها واهتمامها بأبنائها الصغار الذين تيتموا في سن مبكرة قصص متعددة في المجتمع، لكن بعض الأيتام ممن عاش حياة البؤس في الزمن الماضي القريب ذاق مرارة اليتم؛ حيث لم تسعف حالة عائلهم المادية تقديم كل ما يحتاجون إليه، ما جعلهم في حاجة إلى الاعتماد على الآخرين، فتعرضوا لذل السؤال، الأمر الذي شغل بال كثير من المسؤولين والمهتمين بالعمل الخيري في تقديم طريقة ترعى اليتيم من دون أن تجرح إحساسه وتصون كرامته، وهو ما تحقق بعد أن تم إنشاء الجمعيات الخيرية في عرض البلاد وطولها، حيث بات كل يتيم يحصل على إعانة شهرية أو سنوية تكفيه ذل السؤال وتحفظ كرامته، وأخيراً فقد بلغ من الاهتمام بالأيتام الذين رغب الشرع الحكيم في رعايتهم، أن تم إنشاء جمعيات خاصة بهم، تتولى رعايتهم في كل منطقة من مناطق المملكة، وبذلك صار كل يتيم يحصل على كل ما يحتاج إليه من هذه الجمعيات من متطلبات الحياة كالإعاشة والسكن والتعليم وغيرها، حتى من دون أن يحضر إلى مقر الجمعية، بعد أن كان الاهتمام باليتيم يتم عن طريق الجهد الفردي من بعض الأشخاص كالجار، أو أحد الأقارب الموسرين، أو عمدة الحي، أو من المهتمين بجمع الزكاة وصرفها على مستحقيها. رعاية اليتيم واليتيم هو من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم؛ أي قبل البلوغ، ويستمر وصفه باليتم حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُتْمَ بعد احتلام»، ولقد أوصى الإسلام برعاية اليتيم، وتعد كفالة اليتيم من الأعمال التي تقدسها الشرائع السماوية، وتقدرها المجتمعات في مختلف الأزمان، وأولى الإسلام اليتيم أشد الاهتمام، وعظم مكافأة الإحسان له؛ حيث ذكر لفظ اليتيم في القرآن الكريم ثلاثًا وعشرين مرة، منها قوله تعالى: «فأمّا اليتيم فلا تقهر»، كما جاءت عديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الإحسان إلى اليتيم، فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى»، وقد رغب الإسلام في كفالة اليتيم، وكفالة اليتيم تعني القيام بأمره ومصالحه، وقال صاحب القاموس الفقهيّ: كافل اليتيم: هو القائم بأمر اليتيم المربّي له، وإذا كان اليتيم شرعاً هو الصّغير الّذي فقد أباه، فإنّ كفالة اليتيم حينئذ تكون القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكراً أو تتزوّج إن كانت بنتاً، وقد اعتنى الناس في مختلف العصور باليتيم، وأحاطوه بالرعاية والرحمة والعطف، حتى برز من هؤلاء الأيتام عظماء خُلدت أسماؤهم على مر العصور، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي نشأ يتيم الأبوين، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل والإمام البخاري والإمام الشافعي، ومن روائع القصائد التي قيلت في الحث على كفالة ورعاية اليتيم قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم، الذي عرف اليتم صغيراً بفقد والديه، فيقول فيها: أَيُّهَا الْمُثْرِي أَلاَ تَكْفُلُ مَنْ بَاتَ مَحْرُومًا يَتِيمًا مُعْسِرَا أَنْتَ مَا يُدْرِيكَ لَوْ رَاعَيْتَهُ رُبَّمَا رَاعَيْتَ بَدْرًا نَيِّرَا رُبَّمَا أَيْقَظْتَ سَعْدًا ثَابِتًا يُحْسِنُ الْقَوْلَ وَيَرْقَى الْمِنْبَرَا رُبَّمَا أَيْقَظْتَ مِنْهُمْ خَالِدًا يَدْخُلُ الْغِيلَ عَلَى أُسْدِ الشَّرَى كَمْ طَوَى الْبُؤْسُ نُفُوسًا لَوْ رَعَتْ مَنْبَتًا خِصْبًا لَصَارَتْ جَوْهَرًا كَمْ قَضَى الْيُتْمَ عَلَى مَوْهِبَةٍ فَتَوَارَتْ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى إِنَّمَا تُحْمَدُ عُقْبَى أَمْرِهِ مَنْ لِأُخْرَاهُ بِدُنْيَاهُ اشْتَرَى اهتمام الأقارب وعندما يفقد أحد الأبناء والده فيما مضى ويكون يتيماً، فإن العناية تحيط به من قبل أقاربه أولاً كالأعمام والأخوال وسائر الأقارب، فيتسارعون في تقديم الرعاية له والعطف وكل ما يحتاج إليه من دون أن يحس بمرارة الفقد، مما يعينه على تدبر شؤونه حتى يبلغ، وإن كان اليتيم مقطوعاً من الأقارب، أو كان من أسرة فقيرة، فإن بعض أفراد الحي وخصوصاً من الموسرين يتسارعون في مد يد العون له والكفالة، كما يحاط اليتيم بالرعاية في المدرسة من قبل بعض معلميها ممن يتصف قلبه بالرحمة، فتراه يتكفل بتقديم الفسحة المدرسية له يومياً من دون أن يحس به من حوله من الطلبة صوناً لكرامته، وكذلك تأمين المستلزمات المدرسية عن طريق إهدائها له بطريقة لا تجرحه أمام زملاء صفه، فيقدمها مكافأة له على تفوقه، كما شهدت عديد من المدارس قصص عناية عدد من المعلمين بكثير من الأيتام الذين كرسوا جهدهم ووقتهم في متابعة الطلاب اليتامى ومراجعة دروسهم ومسيرتهم التعليمية حتى التخرج من المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وقد قابل هؤلاء الطلبة اليتامى تلك التضحيات من قبل المعلمين برد الجميل لهم بعدما كبروا وشقوا طريقهم في الحياة بالحصول على مراكز وظيفية مرموقة. وفي وقتنا الحاضر، وبعد تأسيس الجمعيات الخيرية المتخصصة في رعاية الأيتام، حظي الأيتام برعاية مستمرة من حيث تأمين السلة الغذائية شهرياً ومصروفاً، إضافةً إلى الحقيبة المدرسية والفسحة، وكذلك تمت رعاية الأيتام دراسياً بإنشاء مراكز تربوية تتم فيها متابعتهم دراسياً وإعطاؤهم دروس تقوية مجانية، إلى جانب تسيير رحلات ترفيهية وتثقيفية لهم على مدار العام، وتقديمهم في الحفلات المدرسية، وفي احتفالات استقبال أمير المنطقة أو المحافظ؛ حيث يحظون بشرف السلام عليه، ولا سيما إذا كانوا من المتميزين والمتفوقين دراسياً. جمعية خيرية وظلّت العناية باليتيم تتواصل على مر الأيام وبطريقة وجهد فردي من قبل المحيطين به، حيث كان الموسرون يجودون بزكاة أموالهم على البيوت التي يعرفون بوجود أيتام فيها، كما كانت تلك البيوت مقصداً لراغبي تقديم الصدقة عن طريق العارفين بأحوالهم كقاضي البلد أو إمام المسجد أو عمدة الحي، واستمر الحال على ذلك حتى تم تأسيس الجمعيات الخيرية التي باتت تتولى تقديم المساعدة إلى كل المحتاجين والمستحقين للزكاة، ومن ضمنهم اليتامى، وصار العمل منظماً بحيث يتم توزيع كل المساعدات والمعونات والزكوات والصدقات بطرق عادلة، لتشمل جميع المحتاجين بعد أن تم حصرهم وتسجيلهم، وبعد فترة من الزمن، وإحساساً من أهالي مدينة الرياض بأهمية رعاية الأيتام ورغبتهم في أن تكون هناك جمعية خيرية تُعنى بهم، تم الرفع بذلك إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - عندما كان أميراً لمنطقة الرياض - بطلب إنشاء الجمعية، وقد رحب بهذه الفكرة، وبعد إعداد النظام الأساسي للجمعية، تم رفعه إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، التي قامت بدورها بالرفع إلى المقام السامي، وصدرت الموافقة السامية الكريمة بتأسيس الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض - إنسان -، وتم تشكيل مجلس إدارة الجمعية الأول برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أمير منطقة الرياض آنذاك - والأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - نائباً للرئيس، وتم تسجيلها طبقاً لأحكام لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية وقواعدها التنفيذية، ويترأس مجلس إدارتها حالياً أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، ويترأس اللجنة التنفيذية صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة الشرقية. شفافية وأمانة وتهدف الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض -إنسان- إلى غرس مبادئ الدين الإسلامي في نفوس الأيتام، وتوفير مختلف أوجه الرعاية للأيتام والأرامل، والعمل على إنشاء البرامج والمشروعات والمراكز الإيوائية وإدارتها، واتخذت من كلمة «إنسان» شعاراً لها لتعبر عن مضمون رسالتها، التي تعني رعاية وتأهيل الأيتام المحتاجين ومن في حكمهم في منطقة الرياض بأسلوب يحفظ كرامتهم وبشفافية وأمانة تكسبنا ثقة المحسنين، ورؤيتها وضع المستفيد على طريق الاكتفاء الذاتي، مدعومين بموارد متجددة وخدمات عصرية، وقيمها المحافظة على كرامة اليتيم، والتميز، والفاعلية، والشفافية، وتقدم الجمعية خدماتها عبر 19 فرعاً، ويستفيد من خدماتها أكثر من 40 ألف يتيم ويتيمة وأرملة، وعدد الأسر يفوق 9500 أسرة، وتتميز الجمعية بسرعة إجراءات التسجيل والصرف الشهري عن طريق إيداع الإعانة في حسابات المستفيدين من دون الحضور إلى مقر الجمعية، ويتسنى للراغبين في التعرف على خدمات الجمعية أو تقديم الدعم لها زيارة مقرها الرئيس في الرياض، حيث يحظى الزائر بالتعرف على أعمال الجمعية وإنجازاتها وخططها واستثماراتها، وإضافة إلى ما تقدمه جمعية «إنسان» من أعمال وخدمات للفئة الغالية على القلوب وهي فئة الأيتام، فإن هناك عديدا من الجمعيات المماثلة، التي تنتشر في كل مناطق المملكة ومحافظاتها، مثل: المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام «إخاء»، وجمعية تكافل الخيرية لرعاية الأيتام، وجمعية «كافل» لرعاية الأيتام بمنطقة مكةالمكرمة، وكذلك جمعية «بناء» لرعاية الأيتام بالخبر، وجمعية أيتام الشرقية «تمكين» بالدمام، وجمعية «أكناف» لرعاية الأيتام بالباحة، إضافةً إلى جمعية الأيتام بعرعر، وجمعية الأيتام «رؤوم» برفحاء، وجمعية «أبناء» لرعاية الأيتام ببريدة، وجمعية رعاية الأيتام بالبكيرية «بنون»، وغيرها من الجمعيات التي جعلت تقديم الرعاية والكفالة للأيتام ميسرة ومنظمة لتشمل كل الأيتام من دون استثناء. حظي اليتيم بالاهتمام منذ القدم خاصةً في التعليم الزميل الضويحي مع منتسبي جمعية إنسان المجتمع قديماً لم يُقصّر مع الأيتام جمعية إنسان من الجمعيات الرائدة في رعاية الأيتام حالياً جهود واضحة للجمعيات الخيرية في تقديم فعاليات للأيتام السلال الغذائية أسهمت في سد حاجة الفقراء والمعوزين ومنهم الأيتام