لربما يطلع احدنا على كتاب أجنبي مترجم إلى العربية بل ربما قرأناه في أكثر من ترجمة وأكثر من طبعة, ولربما أعجبنا دون أن نعرف شيئا من كواليس وخبايا نشره والطريقة التي تمكن الناشر من إخراجه لنا بهذه الصورة. وكم من المتاعب والصعوبات التي واجهها هذا الناشر في سبيل الوصول إلى هذا الكتاب؟ ولماذا كل هذه المتاعب أصلا؟ أليس من المفترض أن يكون الوطن العربي الكبير بسكانه الذين يتجاوزون 300 مليون نسمة سوقا مستهدفا ومن ضمن أولويات هذا الأجنبي سواء كان كاتبا أم ناشرا؟ كيف تتم طريقة الحصول على حقوق هذه الكتب؟ وكيف هو تعامل هذا الأجنبي مع سوق النشر العربي؟ لماذا يكون الحصول على حقوق مؤلف أجنبي من اصعب الاشياء، بالرغم من أن الحقوق التي يتقاضاها المترجم أحيانا أكثر مما يحصل عليه المؤلف؟ وكيف يمكن تفسير هذه العلاقة الملتبسة بين المؤلف الأجنبي وسوق النشر العربي؟. يجيب عدد من الناشرين العرب عن هذه التساؤلات بشأن علاقة يشوبها الغموض وعدم الثقه فإلى تفاصيل اكثر في ثنايا هذا التحقيق.."علاقة ملتبسة" في حديث صحفي بين أحد الكتاب العالميين وصحفي عربي، أبدى الكاتب دهشته من حماسة الصحفي للقاء كون أعمال الكاتب –بحسب علمه– غير مترجمة إلى العربية، وعندما سأله كيف تعرفني وأنا لم يترجم لي أي عمل إلى اللغة العربية قبلاً؟، استغرب الصحفي أيضاً كون كل أعمال الكاتب مترجمة إلى العربية وبعدة طبعات ومنذ عشرات السنوات.. بهذا الموقف الطريف لخّص الناشر مروان عدوان- نجل الراحل الكبير ممدوح عدوان، العلاقة الملتبسة بين سوق النشر العربي والكاتب الأجنبي. وقال: في حادثة مشابهة في أحد المعارض العربية، كنت أتحدث مع المسؤولة عن وكالة لبعض أهم الكتاب العالميين، كانت تحاول تعريفي عن بعضهم وفوجئت بأنني أعرفهم، وأنهم مشهورون جداً في العالم العربي". ثم يؤكد :"هذه الحادثة الصغيرة تعطي مثالاً عن سوء العلاقة بين دور النشر الأجنبية والعالم العربي. بالنسبة لهم العالم العربي يكاد أن يكون غير موجود في خارطة النشر العالمية. لا يوجد تواصل حقيقي بين دور النشر الأجنبية والعربية. لكن في المقابل أهم كتب الأدب العالمي ترجمت إلى العربية دون أي معرفة من الوكلاء ودور النشر الأجنبية، وهذا أدى إلى بناء حاجز كبير أساسه عدم الثقة واتهام العالم العربي بأنه سوق "مقرصن" بالكامل، لذا كان من النادر وجود تواصل بين دور النشر العربية والأجنبية، سواء من حيث قدوم ناشرين أجانب إلى معارض الكتاب العربية أو حتى وجود مسؤول عن المنطقة العربية في كثير من دور النشر العالمية، وهذه اللقاءات مهمة جداً لتشكل بداية تعارف حقيقي بين دور النشر". "حقوق غائبة" وفي السياق ذاته يؤكد الشاعر العراقي محمد العتّابي -مسؤل نشر- انه في الغالب يكون الحصول على حقوق الكتب الأجنبية في العالم العربي عملية صعبة, لا سيما لو كانت الكتب المطلوبة من دور أمريكية. السوق العربي وما يستطيع أن يقدمه لهم من ناحية العروض المالية ليس وفيرا بما فيه الكفاية لهذه الدور مقارنة مع أسواق أخرى. وحتى فترة قريبة نسبيا كانت فكرة الحقوق فكرة غائبة عن النشر العربي, وهنالك صورة نمطية لدى دور النشر العربية بعدم التزام الناشر العربي بشروط وآليات الاتفاق, ولكن في الفترة الأخيرة هنالك تحسن ولو طفيف فيما يخص هذا المجال, وباتت الكثير من الدور وحتى الصغيرة والمتوسطة الحجم بالذهاب لمعارض الكتاب العالمية لمقابلة الوكلاء والاتفاق على حقوق الكتب". "تعاقدات مهملة" وفي مصر، البلد العربي الكبير ذو المكتبات العريقة والكثافة السكانية والذي يبدو نظريا سوقا رائجا للكتاب, توجد ذات الصعوبات ويعاني منها الناشر العربي هناك، حيث لخصها محمد مسلم- مدير دار نشر- بقوله : تتمثل صعوبات الحصول على حقوق الكتب الأجنبية في ارتفاع أسعار الحقوق أولا وعدم خضوعها لأية معايير أي يمكن أن يتمسك ناشر أجنبي بمبلغ ضخم على كتاب غير مشهور أو صغير بينما يتفهم ناشر آخر لطبيعة السوق العربي وخاصة قضية أسعار الكتب في السوق العربية وكثير من الناشرين الأجانب لا يبدون اهتماما كافيا عند معرفة أن الطبعة ألف نسخة أو ألفا نسخة فقط في حين أنها كافية للسوق العربي خاصة كبداية للتعريف بكاتب ما أو بالنسبة للكتب العلمية". هذا الأمر الذي أكده عدوان حين قال:" في بدايات هذا القرن ظهرت قوانين ناظمة لحقوق النشر في مجمل الدول العربية، واتجه قسم من دور النشر العربية إلى الحصول إلى حقوق الترجمات العربية، سواء لكتب سبق ترجمتها أو لكتب جديدة، لكن المشكلة الثانية (بالإضافة إلى سمعة القرصنة في العالم العربي) هي الضعف الهائل في سوق الكتاب". ويستكمل مسلم ما ذكره من صعوبات تواجه الناشر العربي فيقول:"ممارسات بعض دور النشر العربية في إخفاء العدد الحقيقي المطبوع أو التأخر في دفع المستحقات أو الإخلال بأي بند من بنود التعاقدات أعطى صورة سيئة عن سوق النشر في الوطن العربي. واللغات غير المشهورة كاليابانية والصينية والهندية والأردية والكورية والأيسلندية .إلخ، يصعب الحصول على معلومات عن كتبهم وعن كتابهم غير صعوبة التواصل مع ناشريهم باللغة الإنجليزية كوسيط، وكثرة الترجمات بدون التحصل على حقوق النشر من الناشر الأجنبي تجعل الناشرين العرب المهتمين بالحصول على الحقوق قلقين معظم الوقت. "طبعات مزورة" وفي تشخيص دقيق للموضوع وخبير ومدعم بالأرقام قال عدوان: بالنسبة للناشر الأجنبي، فإنه يتوقع أن العالم العربي الذي يقارب عدد سكانه 350 مليون، يجب أن يكون سوقاً هائلاً، لكن يفاجئ بضعف المبيعات وأن عدد النسخ في الطبعة الواحدة هو 1000 نسخة، وفي أفضل الأحوال لا تتجاوز5000 نسخة، بينما يكون عدد النسخ في الطبعة المحلية الفرنسية مثلاً 20 إلى 40 ألف نسخة (رغم أن عدد سكان فرنسا لا يتجاوز 70 مليون). ويكمل: في بدايات تعاملنا مع دور النشر، كانت هذه النقطة صعبة جداً، وهي إقناع الناشر الأجنبي بأن سوق الكتاب العربي أضعف من أن تتحمل طبعة من 10 ألاف نسخة من كتاب جديد (كما يفترضون)، وأن عالم النشر العربي يعاني مشكلة جدية وخطيرة في موضوع التزوير والقرصنة، مما يؤثر بشكل كبير على مبيعات النسخ الأصلية للكتب. وبالنسبة للكثير منهم كانت العروض لشراء الحقوق بأعداد النسخ المعتادة في الوطن العربي، أقل بكثير من الحد الأدنى اللازم للاهتمام بالمشروع بالنسبة لهم بشكل جدي. في حالة الكتاب الذي كنا نفاوض عليه، لم يقتنع الناشر إلا عندما زار أحد المعارض العربية واطلع بشكل مباشر على وضع سوق الكتاب العربي، وخاصة موضوع الطبعات المزورة وانتشار الكتاب المقرصن". وختم بقوله :"في الفترة الأخيرة كثرت التعاونات بين دور النشر العربية والأجنبية، وأصبحت دور النشر الأجنبية أكثر إطلاعاً على واقع النشر في العربي، وهذا يسهل التعامل معهم، لكن -للأسف- ما زال التعامل الأول لأي دار أجنبية مع دار عربية مشوباً بكثير من الشك وعدم الاطمئنان بسبب عبء التاريخ الطويل (والواقع الحالي) من القرصنة". "كلفة مرتفعة" وفي لبنان حيث سوق النشر العريقة يقول حسن ياغي-صاحب دار نشر-: سوق حقوق النشر تغيرت منذ أن أصبحت حقوق الملكية الفكرية حقوق اساسية، ولايمكن نشر أي كتاب من دون الحصول على حقوق النشر، وخاصة في ما يتعلق بحقوق الترجمة من اللغات الأخرى. هذا الوضع أدى إلى منافسة بين الناشرين على الحصول على هذه الحقوق، وأدى بالتالي إلى ارتفاع ثمن هذه الحقوق. فوكالات مبيع الحقوق صارت أكثر معرفة بسوق النشر في العالم العربي، ولأنها ماتزال ضعيفة بالقياس لأسواق النشر بسبب كميات الطبع القليلة - بمعدل بين ألف وألفي نسخة- فإن الناشر يعاني من الكلفة المرتفعة، إذ عليه أن يدفع لشراء الحقوق، ثم يدفع مقابل الترجمة قبل أن يطبع الكتاب، وهذا أدى إلى ارتفاع في ثمن الكتب، وخاصة المترجمة، ويزيد من الأعباء أعمال القرصنة وتزوير الكتب التي اتسع نطاقها بسبب السهولة التي أتاحتها التقنيات الحديثة في الطباعة، بالاضافة إلى القرصنة الالكترونية، التي باتت أكثر سهولة، ويظهر ذلك بالحصول على نسخ "بي دي إف" من أي كتاب عربي تريده. ويستطرد: إن صورة الناشر العربي لدى الوكلاء والناشرين الأجانب تحيط بها شكوك حول الكميات التي يتم شراء حقوقها، ولذلك يلجأ العديد لكميات البيع، فيذهب الصالح بجريرة الطالح. لكن الناشر الذي يلتزم بدفع الحقوق بحسب العقود بات قادرا على الحصول على الحقوق، وبات مضطر لتقديم ترجمة جيدة، وطباعة أنيقة لكسب القارئ الذي أصبح أكثر فأكثر اهتماما بنوعية الترجمة ومستوى الطباعة. ويختتم: إن سوق النشر في العالم العربي لن تستقر الا بالقضاء على القرصنة، بما يتيح للناشر أن يطبع كميات أكبر، فهي السبيل إلى تخفيض الأسعار كما يحصل في بلدان العالم، إذا ارتفعت المبيعات قلت الكلفة. لأن توزيع كلفة شراء الحقوق والترجمة على ألف وألفي نسخة يرفع الكلفة، بينما لو توزعت الكلفة على عدد كبير من النسخ فإن السعر سيتغير وستزيد المنافسة لصالح القارئ". ياغي: إخفاء الكميات المباعة يقلق المؤلفين مسلم: الإخلال بالتعاقدات ظاهرة مؤرقة العتابي: الناشرون يهمشون الحقوق الفكرية عدوان: القرصنة العربية تؤزم العلاقة