منذ أن بدأت أمارس رياضة المشي اليومية داخل الحي الذي أسكنه، أصبحت أستشعر حجم المعاناة الكبير الذي نعيشه بسبب ضعف حقوق المشاة داخل الأحياء السكنية، لقد أخفقت بلديات المدن ومازالت كذلك في أمر حماية ممرات المشاة من التعديات المختلفة أو حتى معالجة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها. وفي الواقع هناك ارتفاع في مستوعى الوعي الصحي لدى المجتمع ورغبة عالية في ممارسة المشي، وهذا ملاحظ من خلال ارتفاع نسبة المشاة في بعض الأماكن المحدودة التي خصصت للمشاة في المدن، وهذا يتطلب من الجهات المعنية بهذا الأمر استغلال ذلك وتوجيه الدعم نحو إنشاء فضاءات أوسع لممارسة هذه الرياضة المهمة. توجد مدن كثيرة حول العالم أصبحت تحارب هيمنة السيارة وتحاول الخروج من جلباب السيارة وتفرض القوانين والقيود تلو القيود لتشجيع حركة المشاة فيها اهتماماً بالصحة العامة للمجتمع وحمايةً للبيئة وتقليلاً لمخاطر التغير المناخي والتلوث بتخفيض انبعاثات الكربون التي تعد عوادم السيارات أحد مصادرها الرئيسة، وهناك تجارب ناجحة في هذا الشأن مع إدراك الكثير من المختصين أن التحدي كبير في مواجهة مدن وُجه تخطيطها لخدمة السيارة إلا أن بعض المدن مازالت تحاول بطرق مختلفة فمنها من قام بمنع دخول السيارات إلى أواسط ومراكز المدن كباريس ولندن وأوسلو، ومنها من حول 40 % من المساحات المخصصة للسيارات في المدينة إلى مناطق خضراء وساحات عامة كهامبورغ في ألمانيا، وهناك دول أعلنت خطتها المستقبلية لتقنين استخدام السيارة كالدنمارك التي تخطط لدعم وسائل النقل العام ومسارات الدراجات وحظر بيع الديزل والبنزين بحلول العام 2030م. ولعل من أبرز التجارب التي يمكن الإشارة إليها أيضاً ما تضمنته الخطة الحضرية الشاملة التي يجري تنفيذها في مدينة برشلونة، حيث تهدف الخطة إلى استعادة نصف الشوارع المخصصة للسيارات وتحويلها إلى ممرات مشاة وساحات عامة ومسارات لراكبي الدراجات. هذه الخطة الحضرية لبرشلونة وضع لها برنامجاً تنفيذياً محدداً لزيادة المساحات المخصصة للمشاة ولعل من الأمثلة للمشروعات التي جرى تنفيذها في برشلونة إعادة تأهيل المنطقة المحيطة بسوق سانت إنتوني حيث تم زيادة المساحات المخصصة للمشاة وتحسين الأرصفة واستعادة ما يزيد على 5000م2 من الشوارع المحيطة. *متخصص في التخطيط والتنمية