مع التوسع العمراني الكبير الذي تشهده المدن وما يصاحب ذلك من تباعد في الأنشطة الوظيفية والخدمية ونقص واضح في ممرات المشاة لم يعد بمقدور أحد أن يمارس المشي لتلبية احتياجاته ومتطلباته في أي جزء من أجزاء المدينة دون الاعتماد على السيارة بفعل خلو الأحياء السكنية والمدن من التخطيط والتصميم العمراني الذي يحفز على المشي ويتجاوب بطريقة مباشرة مع الاتجاهات المناسبة لتصميم وتوزيع المباني، ويراعي متطلبات المناخ المحلي واعتبارات التعامل مع أشعة الشمس، ودرجة الحرارة. هناك تأثيرات صحية كبيرة أصبحنا نعاني منها مع قلة الحركة والمشي حيث انتشرت الأمراض وزادت معدلات التلوث والسمنة والأمراض المزمنة، وواقع الأمر يستدعي تشجيع حركة المشاة داخل الأحياء والمدن من خلال التوجه نحو أساليب التخطيط والتصميم العمراني التي تعزز حركة المشاة وتراعي مكونات البيئة الطبيعية المحلية والتوسع في إنشاء المباني الخضراء مع الاهتمام بزيادة رقعة الغطاء النباتي الذي يساعد على تقليل كمية الحرارة حول الأبنية، مع استخدام عناصر كاسرات الشمس من العناصر الطبيعية وتوظيف الارتفاعات الطبوغرافية للحصول على مستويات مختلفة تساعد على تحسين التكوين التخطيطي العام الذي يحفز على المشي ويساعد في تخفيض درجات الحرارة التي قد تعيق من حركة المشي. إن مدن العالم تتجه في خططها الاستراتيجية لتعزيز حركة المشاة وتشجيع ركوب الدراجات من خلال الارتقاء بعناصر التصميم العمراني لتدعم هذا التوجه، فمدينة نيويورك مثلاً تبنت في رؤيتها تخطيط المدينة لتكون مدينة صديقة للبيئة من خلال تحويل عدد من الأماكن والشوارع العامة لمناطق مشاه تضم شبكة شاملة ودروباً مخصصة للدراجات، أما مدينة أوسلو البلجيكية فقد تبنت إدارة المدينة فيها منع السيارات من الدخول إلى مراكزها الحيوية لتقليل نسب التلوث بحلول العام 2019م، وأعلنت أنها ستقوم بتنفيذ شوارع وممرات مخصصة للدراجات الهوائية تزامناً مع هذا القرار. ومن الأمثلة الخطة التي تبنتها مدينة مدريد الإسبانية حيث تعمل المدينة على حظر السيارات في 500 فدان من وسط المدينة بحلول العام 2020، وتعمل على إعادة تصميم 24 من الطرق المزدحمة لتخصيصها للمشاة والدراجات. وهناك مدن تحارب وجود السيارات بشكلٍ تام ولا تزال تحافظ على ذلك فمدينة البندقية وهي مثال جميل لمدينة خالية من السيارات يعتمد فيها السكان على التنقل سيراً على الأقدام أو بواسطة القوارب، وتخصص المدينة مواقف للسيارات على أطراف المدينة. كما أن العديد من المدن الأمريكية والأوربية والأسيوية تشارك في اليوم العالمي للتخلي عن السيارات بهدف تشجيع المشي واستخدام الدراجات من خلال تحفيز السكان على التخلي عن سياراتهم ليوم واحد. على المستوى المحلي هناك مشاريع وساحات بلدية في بعض الأحياء أعادت ثقافة المشي وهذا أمر جيد أعاد للمدينة أنسنتها المفقودة وهناك مبادرات منظمة ومحددة الأوقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحفيز المشي داخل الأحياء وهذا يبشر بمجتمع صحي متقبل لثقافة المشي، وهنا أقول إن تغيير حال مدننا الذي يعتمد على استخدام السيارة اعتماداً كلياً وتحويره للتقليل من عدد السيارات أمر ليس بالصعب في ظل وجود مشاريع النقل العام القادمة ويحتاج الأمر إلى إجراء مزيد من التنظيمات التخطيطية لتهيئة الأحياء والأماكن العامة والشوارع لتصبح مدن للمشاة وليست مدن للسيارة.