الإنسان بطبيعته يحب ويعشق حد الثمالة نغمات وشعارات (الحقوق)، ويهرب ويملّ من سماع من يُلزمه بواجباته، بل أنه (يُنبّش) كل القوانين والأنظمة ويعسفها عسفًا ليبحث عن مخارج للهروب من واجباته والتزاماته. دليل وعي الشعوب أن تنتشر فيها ثقافة الحقوق ومطالبها، لكن الحقوق لن تكون ذات تأثير في صناعة المجتمعات إذا انفك ارتباطها بقرينتها (الواجبات) وإن المجتمع الذي يعي واجباته ويستحضرها وتؤصل مؤسساته لها، وتنشرها وإن كانت النفوس بطبيعتها تنفر من ذكرها فهي بالحقيقة أساس كل إصلاح، فالحقوق تُختزل على أنها (مطالب) ورد فعل على تجاوز، وفي أحيان كثيرة هي استغلال وعسف للهروب من الواجب، وهنا مكمن الخطر، لأن ثغرات الحقوق كثيرة، والمحتالون كُثر، ولذا إذا أضحى المجتمع يُقدس واجباته كما هي حقوقه، فهذا هو المجتمع الفاضل والمدني والمتحضر، ومن الجميل مشاهدة الوزارات والمؤسسات تستنهض وتنشر ثقافة الحقوق، ولكن ثقافة الواجبات لا تقل أهمية ومكانة عن قرينتها الحقوق. إن الحديث بإسهاب عن الحقوق، والتواضع في الحديث عن الواجبات يدفع نحو ضعف عمليات الإنتاج، وإن التوسع بسن الحقوق قد يضع الكثير من التأويلات والتفسيرات والاحتيالات، وكما أن ثقافة الحقوق تصنع شخصيات لا تُفكر إلا بالانهزام والحيلولة دون القيام بالأعباء، لذلك كان عصر النبوة ببداياته زاخرًا بسن الواجبات وأتت تباعًا الحقوق ومطالبها، مراعاة لقيمة عظيمة هي صناعة الشخصية المنتجة لا الشخصية المنهزمة التي تحاول ساعيةً تبرير إخفاقاتها والتحايل عليها.