توقعت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية نمو أوقاف الهيئة العامة للأوقاف التابعة للوزارة بنسبة (25 %) سنوياً حتى سنة 2020م، ثم بنسبة (15 %) سنوياً، إلى أن يبلغ حجم الأوقاف (93.3) مليار دولار العام 2030. مما يشير إلى مساهمة القطاع الوقفي بالاقتصاد، ودوره الكبير في تحقيق التنمية المستدامة للموارد الاقتصادية بصفة عامة. في دراسته عن الأوقاف وضع د. فرحات خورشيد الطاشكندي (الأستاذ بكلية العمارة والتخطيط، جامعة الملك سعود) من أوقاف بلدة «أشيقر» أنموذجاً، للحديث عن أهمية الأوقاف في مساندة جهود الدولة التنموية، والمساهمة الفعالة في وجوه الخير والبر. الدراسة جاءت بعنوان: «الأوقاف كمصدر مستدام لتمويل إدارة البلدان.. بلدة أشيقر حالة دراسية) وأوضح د. فرحات من خلالها أن من أهم المشكلات التي تواجه البلاد بصفة عامة، النقص الدائم في مصادر ووسائل تمويل الخدمات البلدية والاجتماعية، ما يترتب عليه تدهور مستوى هذه الخدمات، ومن أهمها الصيانة والنظافة والتشغيل. كما أن النقص في التمويل المستدام مع ازدياد عدد السكان واتساع المدن، يقود إلى تحمل الحكومات وحدها أعباء ونفقات إدارة البلاد، فيما أدى إحجام المجتمع عن المشاركة في التنمية والإدارة، في العهود السابقة للإسلام إلى تبني الحكومات للضرائب والمكوس للإنفاق على الدولة، ونتج عن ذلك إهمال الحكومات وقتها أمور الصيانة، فزاد ذلك من سرعة تدهور المدن، والقرى التابعة لها. وضرب الباحث عدة أمثلة لاهتمام الصحابة -رضي الله عنهم- بالوقف وحرصهم عليه، ومن ذلك الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقد حاز أرضاً بخيبر فأتى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: أصبتُ أرضاً لم أصب قط مالاً أنقى منها»، واستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في ما يفعله بها فقال له: «إن شئتَ حبستَ أصلها وتصدقت بها» فتصدق بها عمر، واشترط ألا يُباع أصلها ولا يُوهب، ولا يورث، وأن يكون ريعه للفقراء، والرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وإطعام الضيوف. كذلك وحسب ما جاء في «طبقات ابن سعد» أوقف عثمان بن عفان -رضي الله عنه- «بئر رومة» على المسلمين، لا يشاركهم فيها أحد، ويقضون حاجتهم منها بالمجان. وشاركه في المنهج نفسه علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، والعباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد ذكر الحافظ محب الدين الطبري تصدقه -رضي الله عنه- بداره على المسجد النبوي الشريف ليوسعه. وكذلك أبو الدحداح الأنصاري، فإنه لما نزلت الآية: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً)، كان نازلاً في حائط له هو وأهله، فجاء لامرأته فقال أخرجي، فقد أقرضته ربي، فتصدق بحائطه على الفقراء. ومنهم الأرقم بن أبي الأرقم وهو من أوائل المسلمين، وكانت داره بمكة على الصفا، وفيها دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الإسلام، وتصدق بها الأرقم خالصة لوجه الله. أوقاف أشيقر أما بالنسبة لبلدة أشيقر محل الدراسة، الواقعة شمال الرياض فأشار الباحث إلى أنها كانت مركزاً للعلم، وتخرج فيها الكثير من علماء نجد، وقد أوقف بعض الصالحين فيها أموالهم وهم أحياء، أو أوصوا بها بعد وفاتهم. وأشهر وصية فيها ما يُعرف بوصية «صبيح» إذ اتخذت بعد ذلك كوصية نموذجية ومما جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين. هذا ما وقف وحبس العبد الفقير إلى الله سبحانه الحاج صبيح عتيق عقبه حيطانه في عكل على بئر الغطفى ولهن من الماء ثلاث وقعات ونصف على بئر الغطفى بحدودهن وحقوقهن أرضهن ونخلهن ومائهن ونمائهن، وكل حق لهن داخل فيهن أو خارج عنهن سور القرية، ومن الشمال البئر، وطريق المسلمين، ومن الشرق حويط أبا شقير، ومن الجنوب الجفرة والقطيعة والأحيمرى. وقفاً حبساً مؤبداً محرماً بجميع محارم الله تعالى التي حرم بها الزنا والربا. وقفاً قائماً على أصوله جارياً على رسومه، قائماً على سبيله، ماضِ لأهله، جائزاً لهم، لا يزده مرور الأيام والأزمنة إلا تأكيداً، ولا يكسبه تقلب الأوقات إلا تمهيداً وتأبيداً». ومن الأوقاف الأخرى المشهورة «وقف رميثة بن قضيب» العام 986ه وجاء فيه: «وقفاً صحيحاً شرعياً مرضياً نافذاً لوجه الله تعالى، ثوابه لرميثة، حكمه في الأكل من غلته، ويجعل سماطاً للأكلين في ليالي شهر رمضان». وكذلك «وقف سلطان بن رميح بن منيف» سنة 947ه، ويقول فيه: «هذا ما وقف في صحة من عقله وبدنه وطوع وجواز أمره.. إلى أن يقول: فهو وقف على أهل أشيقر، يُطعم في المسجد على حكم إطعام وقف صبيح». وكذلك «وقف صقر بن قطامي» العام 940ه، ويقول فيه: «هذا وقف وسبيل وحبس صقر بن قطامي بن صقر في حالة صحة عقله، وبدنه وطوعه ورضاه وجواز أمره، جميع أملاكه في أشيقر».. إلى أن يقول: «وأخرجها من يده، ومن ملكه قربة لله تعالى على أهل اشيقر» ومنها أنه استثنى النفقة على نفسه، والأكل مدة حياته». أوجه الوقف وتوضح الدراسة أن ناظر الأوقاف بأشيقر حينها وضع كتاباً ذكر فيه جملة ما في أشيقر من الأوقاف، والوجوه التي تُصرف عليها الأوقاف فذكر: * عمارة المساجد، ومنها : المسجد العتيق المسمى الجامع، ومسجد الشمال، ومسجد الفيلقية، ومسجد الربيعية. * المسارج ومنها: سراج آل بورباع في المديبغة، وآل فدى بشقراء، وآل جماز بجابية الربيعية الشرقية، وآل عزام، وبنت القاضي، وأرض ابن عقبة، والبجادي، والمسجد العتيق. * الدلي: ومنها دلو القاضي، والفيلقية، والشمال، وصبيح، والجميعية، وآل بورباع، والمتاريك، وآل عزام، وحمد القاضي. كما تعددت أوجه الأوقاف لتشمل الإنفاق على الضعفاء، وأهل السبيل، والضعفاء من أهل أشيقر بصفة خاصة، وإطعام المساكين، وصيانة النخيل، وترميم الأودية والشعاب، وإصلاح وعمارة الحوائط، والجسور داخل البلاد، وبيت الغرباء: وهو مكان لمبيت الضيوف ويتبعه حوش لإيواء الراحلة، والمواشي. كما تشير الدراسة إلى أن هناك أوقافاً كانت مقامة خارج أشيقر يذهب ريعها لأهل أشيقر، مثل «وقف اللام الحصا» في بلدة حرمة. تكافل اجتماعي ويرى إبراهيم بن محمد أبا حسين (رئيس لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بأشيقر) الجهة المشرفة على وقف الصوام بأشيقر: أن الأوقاف تمثل التكافل الاجتماعي لكافة الشعوب، خاصة الشريحة المحتاجة، كما أنها عبادة وقربة إلى الله عز وجل، يخص جزء منها الصائمين، الذين خصص الله لهم باباً من أبواب الجنة للدخول منه، يسمى باب (الريان). وكذلك استشعاراً لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (من فطر صائماً فله أجره) وعملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم- (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له). ويقول: إن المتأمل للأوقاف في بلدة أشيقر يجد أن صاحب المبادرة الأولى والوقف الأول والحائز على قصب السبق بهذا المجال حيث تم كتابتها العام 747 هجرية. هو الرجل المملوك المسمى (الحاج صبيح) الذي أعتقه مولاه (عقبة الوهبي التميمي). وقد اشتهرت تلك الوقفية باسم وصية صبيح، وأصبحت نبراساً، ومثالاً يُحتذى بها لبعض من أراد إيقاف أملاكه أو جزء منها، بل نص البعض منهم على ذلك في وصاياهم، بقولهم على غرار «وصية صبيح»، ومن تلك الوصايا «وصية رميثة بن قضيب» و»وصية صقر بن قطامي» و»وصية سلطان بن رميح التميمي». وبعدها حذا حذوهم بالوصايا والأوقاف الغالبية العظمي من الأهالي، فلا تكاد توجد أسرة من الأسر الأشيقرية، إلا ولأجدادهم عدد من الأوقاف، ويحتفظ المهتمون منهم بنسخة منها، وقد تناقل العلماء -رحمهم الله- نسخ تلك الوصايا والأوقاف، حتى وصلت إلى العصر الحالي، دون تحريف. ويقول أبا حسين: إنه حرص من العلماء والنساخ، تم جمع تلك الأوقاف والوصايا في مجموع أُطلق عليه عدة مسميات، منها «ديوان الأوقاف»، وكان المسؤول عنها يقال له وكيل الصوام، وكان آخرهم عبدالله بن الشيخ عبدالعزيز بن عامر. وقد تنوعت الأوقاف بذلك الوقت، فالبعض أوقف بستاناً من النخيل، تكون ثمرته إفطاراً للصائمين، وآخرون خصصوا الأواني المنزلية، وأدوات البناء، والقِرب التي تُملأ بالماء وتُوضع بالمساجد، وغيرها مما ينتفع به الناس ذلك الوقت. د. فرحات طاشكندي إبراهيم أباحسين