يشدنا الإنسان الذي يشع حياة وطاقة وحيوية، فنان في إدارة الوقت. يعمل بهمة ونشاط، مرتاح مع نفسه، يدندن كثيراً بلحن مرح، كل ذلك بدافع "الحيوية" المتجددة في داخله، ومن يفتقد كفايته منها، تراه كسولاً، يعتريه الخمول، دائم الشكوى. خُلق الإنسان بحاجة دائمة إلى تجديد حيويته، كي لا تصاب أطرافه بالشلل، ولا تلتحف نفسه بالصقيع. وما عليه إلا أن يتنبه لنمط حياته: هل يستيقظ، وينام في ساعات محددة، يخرج ويعود، ويتناول وجباته في أوقات لا تتغير، عبارات التحية آلية وردود الفعل واحدة؟ ولو تنبه هذا الإنسان أكثر، لاكتشف أنه أصبح أسيراً لهذا النمط الروتيني في أدق التفاصيل. وأنها تحكمه وتتحكم في مزاجه، يبتسم، ويضحك، ويحب أيضاً بروتين! وأصبح يفتقد القدرة على الانتعاش بضحكة قلبية صافية. وأن الإحساس بالحب في داخله قد فقد دفء الهمسة، وافتقد حلاوة انتفاضة القلب عندما تلامس أوتاره كلمة حب. وقد يصر صاحبنا على أن جزءاً كبيراً من الروتين هو تنظيم للوقت، والتنظيم واجب وضروري. أوافق، ولكنه إذا تحول من وسيلة إلى غاية فهنا يكمن الخطر على حيويته، لأن التنظيم المفرط في حياة الإنسان قد يحولها إلى روتين وتعود يصعب التحرر منه، يحول الإنسان إلى آلة متحركة. وقد تكون هذه الآلة جيدة، دقيقة، منتجة.. ولكنها آلة! لا تفرح كثيراً، لا تحزن كثيراً، لا تنفعل كثيراً! لا فرق بينها وبين الروبوت. باختلاف أن الذكاء الاصطناعي سيمنح وجه الروبوت تعبيرات إنسانية تخلى عنها إنساننا الآلة! بل إنه أي الروبوت سيتفوق إنتاجياً على إنساننا الآلة. لهذا يصبح ضرورياً جداً للإنسان أن يجدد حياته وحيويته بطاقة إيجابية، خارج سجن الروتين.. خارج الصندوق الضيق المريح والأمن الذي يقيم فيه. لا بد للإنسان من وقت في زمنه يتخلى فيه عن ضابط الإحساس بالزمن. ولكن أغلبنا يفضل أمان الأسر على الحرية. فالإحساس بالحرية مسؤولية. الأسر يُبقي الإنسان داخل الحدود، أما الحرية فإنها تدفعه وتحركه لاكتشاف ما وراء الحدود! لا بد للإنسان من زمن في عمره "يتمرد" فيه على الاعتيادية في داخله ومن حوله، فالاعتيادية ملل. والملل يقتل أحلى ما في الإنسان... حيويته.