في اعتقادي - وربما أكون مخطئاً - أننا عند تبنينا في وقت مبكر مصطلح "بلدية" في تنظيمنا الإداري للتعبير عن واحد من بين عدة أجهزة تأسست لتتولى مهمة التنمية على المستوى المحلي، بدا وكأن المنطلق في ذلك، هو اعتبار هذا الجهاز الحكومي الجديد "البلدية"، وحدة إدارية لا مركزية، لها استقلالها الإداري والمالي بالتأكيد، وربما تمثيلها المحلي أيضاً "المجلس البلدي"، لكنها في نفس الوقت ذات وظيفة محددة ضمن منظومة وحزمة وظائف ومهام لأجهزة لا مركزية أخرى لا تملك الاستقلال الإداري والمالي ولا التمثيل المحلي، تعمل وربما تتقاطع أحياناً معها على هذا المستوى المحلي، بالتالي نشأت "البلدية" لدينا واستمرت ضمن هذا السياق، ذات دور محدود مع الغير في الإدارة المحلية بمدننا، وليس كما هو متوقع تجسد المفهوم المحلي الواسع والشامل ل "البلدية" لدى المجتمعات التي نشأ فيها هذا المصطلح، وتبنينا تطبيقه منهم. أشير إلى ذلك لارتباطه بمضمون الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي، عن قرار التفويض الذي أعطاه معالي وزير الشؤون البلدية والقروية المكلف د. ماجد القصبي لأمناء المناطق والمحافظات في ممارسة صلاحياته، في سعي منه لإلغاء المركزية في اتخاذ القرار، ومنح الثقة لأمناء المناطق والمحافظات وإعطائهم المزيد من الصلاحيات التي تمكنهم من أداء مهامهم بكفاءة عالية، الذي عده الجميع قراراً صائباً يعبر عن توجه محمود نحو تعزيز مفهوم الإدارة المحلية، الذي قام عليه القطاع البلدي منذ تأسيسه، لكن في تصوري يظل هذا القرار محدود التأثير، ومحاولة لمعالجة المشكلات المحورية في القطاع البلدي بالنظر إليها من الأعلى للأسفل، بينما في اعتقادي أن العلة ليست فقط في مركزية اتخاذ القرار وحسب، وإنما في الحاجة إلى النزول إلى عمق القضية وجوهرها، وهي تشظي الإدارة المحلية في مدن المملكة، فإدارة التنمية في هذه المدن ظلت إلى وقت طويل تقوم على أسلوبين يختلف أحدهما عن الآخر، الأول هو أسلوب الإدارة المحلية وذلك في القطاع البلدي فقط، ممثل في الأمانات والبلديات، والثاني هو أسلوب الإدارة اللامركزية في بقية القطاعات الخدمية الأخرى، ممثلاً في أفرع الأجهزة المركزية لتلك القطاعات في مدن المملكة، من إسكان وصحة وتعليم وكهرباء ومياه وصرف صحي ونحوها، ونشوء صعوبة شديدة تزداد يوماً بعد يوم مع نمو وتوسع هذه المدن في المواءمة بين هذين الأسلوبين في إدارة التنمية على المستوى المحلي. لقد استشعرت هيئة تطوير مدينة الرياض هذه المشكلة منذ نشأتها، وعملت على معالجتها، عبر الحرص على التنسيق والمواءمة بين أجهزة المرافق والخدمات بمدينة الرياض في عملية إدارة التنمية بالمدينة، ووفقت في ذلك إلى حد كبير، من خلال آلية مجلس الهيئة برئاسة سمو أمير المنطقة، لكن ظل ذلك على مستوى مشروعات التنمية الكبرى في مدينة الرياض، ولم تتجاوز إلى المستوى الذي دون ذلك، كما سعى سمو أمين منطقة الرياض السابق، الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف لمعالجة جانب من هذه المشكلة أيضاً عبر توحيد النطاق الإداري لأجهزة المرافق والخدمات في مدينة الرياض، وإنشاء مراكز إدارية موحدة تضم أفرع تلك الأجهزة على المستوى المحلي في مدينة الرياض، ووفق إلى مدى بعيد في ذلك، لكن ظل هذا التشظي والتبعثر في إدارة التنمية متجذراً بمدننا إلى اليوم، الأمر الذي نحتاج فيه إلى القرار المفصلي الذي يعيد تأسيس مفهوم البلدية في مدننا، ويراجع تنظيم فروع الأجهزة المركزية للمرافق والخدمات بها لتعمل ضمن منظومة إدارية واحدة، ليس وفق أسلوب اللامركزية الإدارية، وإنما على أسس وأركان الإدارة المحلية.