افتتح أخيراً المعرض الثنائي "برونز" في قاعة مونو جاليري بالرياض، وجمعت أعمال النحات السعودي محمد الثقفي، الذي تميز بالحضور المميز واللافت، والنحات العراقي معتصم الكبيسي الذي يعد من أهم الفنانين العرب المعاصرين في فن النحت. وقد جمع المعرض أعمالا نحتية برونزية، وتنوعت موضوعاتها، إلا أن معظمها ركز على المرأة بشكل رئيس وفق أسلوبين مختلفين، استحضر فيها الكبيسي المرأة في أعماله، مركزاً على البدينات من النساء للفت الأنظار إليهن، وإلى جمال أجسادهن، تماماً كما كان يفعل عدد من فناني عصر النهضة، الذين استحضروا النساء البدينات في نصوصهم البصرية. ويرجع الكبيسي ذلك إلى أن الأجساد النسائية والأشكال الغريبة من حيث البدانة تعد ارتكازا عاطفيا وجماليا يحمل طاقته التعبيرية ضمن وجهة نظر خاصة، مفادها بأن الرشاقة لا تعني الجمال أبداً، كما أن البدانة لا تصور القبح نهائياً، وأن هناك مخيلة تعمل على تهشيم الذائقة الجامدة، وتشير إلى محو الفكرة العالقة في الذهن فكرة المقارنة، مضيفاً أن جسد المرأة لا يقارن طالما يضاعف الإحساس بالجمال في حالة تأمله، الأمر الذي جعله يهدف إلى المتغير من التعبير الفني، فحضانة الجيد تتعاظم برغبة المواجهة مع أعضائه، بينما تستقر صورة التعامل الإنساني والاقتراب من الروح. وقد علق الروائي السعودي يوسف المحيميد على أعمال الكبيسي وتركيزها على النساء البدينات بقوله "الجسد البدين له جماله أيضاً، انظروا إلى النساء البدينات من حيث حركاتهن الظريفة، والوقفة فوق الميزان، ووضع الساق فوق الساق، وقفة الاعتداد والثقة بالنفس". وفي الجانب الآخر، يستحضر الثقفي في مجموعته النحتية جمال جسم المرأة وفق أسلوب يخصه، قارناً جزءا من جسدها إلى جمال الحرف العربي، وما يمتاز به من رشاقة وانسيابية، وإلى الزخارف الإسلامية بإيقاعها وتناسقها وتنوعها، وعلى الرغم من أن أعمال الثقفي تخلو من الرأس والأرجل، إلا أن عين المتلقي تستطيع إكمال أجزاء الجسد المغيبة، تاركاً لمخيلة المتلقي رسم جمال هذه الأجزاء وفق رؤيته البصرية، وهذا في ظني سر تميز أعمال الثقفي التي نحتت بجمال وللجمال، بل روحاً تلبست حلية وتنبض بشموخ وارتقاء (كما يذكر)، وأنها نبض من روحه وحياته، تسمن في خامات متنوعة، منها ما يألفه ومنها ما يسكنه ويزيده رغبة في الحياة، مضيفاً بقوله "في حضرة أعمالي أتجرد من الحياة، وأنبض في كل انحناءات وخطوط متمايلة من منحوتاتي، لأقول كل عباراتي صامتة في حضرة الجمال". أما المحيميد فذكر أن المرأة لدى الثقفي ليست واحدة، بل نساء عديدات، وأن المرأة في أعمال الثقفي صامتة، تود لو تحكي وتستعيد روح شهرزاد، وأنها صلبة وحدة عليها نتوءات أو ندوب، تشير إلى عوامل الزمن أو العلاقات الإنسانية، لكنها في جميع حالاتها جسد ممشوق ومنساب وحميم كحرف الألف الذي يألف الحروف كلها. *مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بعسير من أعمال معتصم الكبيسي من أعمال محمد الثقفي د.علي مرزوق*