بر الوالدين (دِين ودَين.. الأول يأخذك إلى الجنة.. والثاني يرده لك أبناؤك). يقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله تعالى يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات). وفي إحدى القصص الواقعية: (أم تحتضر تطلب من ابنها الذي رمى بها بأحد دور العجزة والمسنين أن يأتي بأجهزة تبريد وتكييف للدار حتى لا يتأذى من حرارتها حين يأتي به أبناؤه في كبره)! إذاً، هو: (رواية أنت من يكتب فصولها.. ويجسدها ويخرجها لك أبناؤك)، فكما تُدين تُدان، أي هو دينٌ لا فكاك من الوفاء به، فمن عقّ والديه لا محال يجد العقوق من أبنائه. لا أحد ينكر أهمية بر الوالدين، فهو البوابة وجسر الوصول إلى رضا الرب والفوز بالجنان، فبرهما مقدم على الجهاد، فعن عبدالله بن عمر جاء رجل إلى الرسول فاستأذنه في الجهاد قال: أحيٌ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما جاهد. يولي دينا الإسلامي الوالدين عناية خاصة، ويوجب علينا رعايتهما والعناية بهما عند الكبر وعدم التضجر منهما، إذ يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً). وفي وقتنا الراهن، ومع تسارع وتيرة الحياة وتعقيداتها، شأنها شأن كثيرٍ من القيم التي أفسدتها العولمة، لم تعد العلاقات الأسرية، وارتباط الأبناء بآبائهم وأمهاتهم كما السابق، فقد أصابها الوهن، لدرجة بات معها البعض يرى أن آباءهم وأمهاتهم عالة عليهم ويجب التخلص منهم، مما يولد هاجساً مؤرقاً لكثير من الآباء والأمهات خشية أن يلفظهم أبناؤهم ويلقوا بهم على هامش الحياة. وهناك الكثير من العواقب التي لا يلقي أولئك الذين لا يبرون بآبائهم لها بالاً، منها الحرمان من النظر للمولى عز وجل يوم القيامة كما جاء في الحديث: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق بوالديه)، عذاب الله، وانتظار ذات المصير من أبنائهم، أما مكمن الخطورة فيتمثل في أن يتحول الأبناء العاقون لنماذج لأبنائهم ويُتوارث العقوق ومن ثم يصبح من سمات المجتمع. وفي مملكتنا الحبيبة، وتأكيداً لاهتمام ولاة الأمر - حفظهم الله - تتكفل الدولة بحماية الفئات الضعيفة وتلبي كل احتياجاتهم، بعدما أصبح بقاؤهم في دار المسنين أمراً لا مناص منه. وبحكم وجودي بأحد دور المسنين، ومن خلال معايشتي واقعهم يمكنني الجزم بأنهم يجدون الرعاية اللازمة، إضافة إلى البرامج الترفيهية والتثقيفية التي يتم التخطيط لها بما يتلاءم ورغباتهم، فضلاً عن البرامج المساعدة الأخرى التي تعين المسن على تخطّي العقبات التي تواجهه، وترفع من معنوياته وتشعره بأهميته وتدخل السعادة في قلبه.