ما من سبيلٍ إلى هذا العالم المتغير والمتبدل إلى نحوٍ جديد، فكل يوم نجدد فيه أفكارنا وخواطرنا وفق قوانين وسُنن كونية لا نراها بل تتحكم فينا ونحن راضون بالتجديد وفق منظومة جميعنا شركاء فيها؛ أي نحن وسنن الكون. وما الطبيعة إلا جزء مكنون في داخلنا. فكثير من المفكرين والعلماء قالوا إن الإنسان خرج عن طقوس الطبيعة وليس في قولهم هذا خروجٌ مطلق، وإنما جزئي؛ حيث إن إرادة الإنسان هيأت له الخروج عنها، وأصبح يخترع أشياءه الخاصة، وقولهم هذا صحيح بنسبةٍ كبيرة، ولكن لو تأملنا جيداً لوجدنا أن القدر والزمن يتحكم فينا؛ خاصة عجلة الزمان التي تسير بنا من فضاءٍ إلى فضاءٍ آخر؛ أي من مكان كوني إلى مكان أبعد منه. وهذا التغير والتبدل يوسع مداركنا وفق كل ديمومة جديدة، بحيث بين كل زمن وزمن ننتقل من صيرورة إلى صيرورة جديدة. ولا يقف هذا الأمر على بني البشر، وإنما الكل يتغير ويتحول من الذرة إلى الكواكب والنجوم التي في المجرة، وقس عليها باقي المجرات، وربما حتى تلك العوالم التي لم يتم اكتشافها إلى الآن، ولكن مستقبلاً؛ العلم كفيل بأمرها. فعجلة الزمن التي تسافر بنا من محيط إلى محيط هي تنقلنا عبر أسفارٍ من دون أن نشعر أو نحس بهذا المركب الفضائي الذي يسير بنا عبر أقطار السموات، ونحن على أرضنا نتطور، وكل شيء فينا يتطور من أصغر خلية إلى أكبر كائن، سواء كان حيا أو جامدا، والجامد هنا نحسبه بشكله ولكن في قلبه سلسلة من التغيير، فكم من جبالٍ أفنت نفسها، وكم من كواكب اندثرت أو أضاعت طريقها بسبب تغيير مفاجئ طرأ عليها. أرأيت الذي يتحول ثم يندثر ثم يُخلق من جديد، هو ليس بذاته وإنما خروج الحي من الميت وخروج الميت من الحي هو دورة الحياة أشبه بنسيج أو قل شبكة من المواصلات والطرق، نسجتها الحياة الكونية برابطٍ وفيق، كي تستمر هذه الوحدة الكونية وفق نظامٍ واحد يفني أشياء ويجدد أشياء أخرى وفق صيرورة مستمرة إلى ما لا نهاية من اتساع الكون. لا حدود لهذا العالم الكبير، ولا حدود لعقلنا الصغير إن أطلقنا أفكارنا نحو ذواتنا ونحو مجتمعاتنا ونحو سمائنا، إن أردنا فسنجد أدمغتنا في اتساع مهول من الأفكار الجديدة والفرضيات البعيدة؛ فقط أطلق روحك وستجد أهوالاً وأبعاداً يبرمجها عقلك، وينظر لها بمنظار ديناميكي متحرك قبل أن تكتشفها الأقمار الصناعية والمناظير. عقلك نسيجٌ من الكون، وروحك نسيجٌ من الحياة، ونفسك مدارات كل شيء في هذا الوجود. فقط أبصر بقلبك وروحك تجد إشراقة الحياة تتجدد فينا؛ تجمعنا معا، ثم تفرقنا وتفنينا كي تُخرِج منا أقواما وأقواما.