باحث في جورج تاون: خطة ولي العهد تستهدف إنهاء الابتزاز الإيراني عبر مضيق «هرمز» إذا كانت مظاهر الحب والوفاء للمملكة في العراق ولبنان تزعج إيران، فإن هذه المظاهر في وسط وجنوب آسيا تعد فشلاً استراتيجياً لإيران، في بلدان لطالما عدتها فناء خلفياً لها استثمرت فيها بنفس الطريقة الإيرانية المعهودة، وذلك عبر استغلال الأطفال والفقراء واللاجئين لتجنيدهم، حيث تحكي قصص الحرب السورية، عن مقاتلين أفغان جندتهم إيران في سورية، استجوبتهم الصحف العالمية، لماذا تقاتلون في سورية ومع من أنتم، فلم يعرفوا من الإجابة غير أن ثمن القتال كان خيمة لذويهم اللاجئين في إيران. وتختصر خريطة زيارات ولي العهد، من باكستان إلى الهند، رسالة المملكة التوافقية ما بين الدول، من خلال وسائل جديدة طموحة تسعى لوضع الرؤى الاقتصادية ومصالح بلدان المنطقة وطموحات الفئات الشابة فيها، كأساس لاستراتيجية تقرب ما بين الدول وتحاول إزالة التوترات التاريخية فيما بينها. ومن خلال مكانة المملكة كقائد ومحط ثقة لدول العالم الإسلامي، تأتي جولة ولي العهد الآسيوية في مرحلة تاريخية تتميز بالميل الأميركي نحو الانعزالية والانسحاب الكامل من أفغانستان، وهي عوامل قادت إلى لحظة تاريخية تمكّن المملكة من تغيير التحالفات في جنوب ووسط آسيا لصالح مواقف الاعتدال والتضامن الوثيق ما بين دول منطقة غنية بالمؤهلات، مع وضع هدف محدد وأساسي للتنسيق وهو تحقيق نمو وتكتل اقتصادي بين المملكة وباكستان ذات الموارد البشرية الهائلة، والهند، صاحبة المركز الأول كأسرع الدول نمواً في العالم. وتشير جولة ولي العهد إلى معالم الاستراتيجية للمملكة التي تبدأ بتوحيد الجهود للحفاظ على الأمن القومي للعالم الإسلامي، وتنتهي بالبحث عن الفرص في تجارب الاقتصادات الناجحة كالهند، لتحقيق عدة من الأهداف على المستوى الوطني من تنويع مصادر الدخل عبر وسائل جديد مستدامة وأقل كلفة، من خلال التعاون مع قوى مؤثرة كالهندوباكستان اللتين تمتلكان مؤهلات طبيعية وبشرية متنوعة. وتأتي زيارات ولي العهد إلى باكستانوالهند، مع الاستعداد الأميركي للخروج من المنطقة، والتوصل إلى تسوية في أفغانستان، حيث ترسل رسائل مهمة عن قدرات دول المنطقة على الإنجاز وتحقيق الأمن والازدهار بالتكامل والتضامن وتبادل الخبرات والتجارب، وذلك بعد أن أثبتت التدخلات والحروب الخارجية فشلها في زرع الأمن والاستقرار والازدهار. فجولة ولي العهد في هذا التوقيت إلى بلد يشكل قوة عسكرية ضاربة -باكستان-، وآخر يشكل قوة اقتصادية عالمية -الهند-، هو بمثابة دعوة للدول لتعرف قدراتها وتستثمرها، فهي جولة ستشجع القوى العسكرية في العالم الإسلامي على اتخاذ زمام المبادرة لدفن الإرهاب في مهده بعد أن ضرب البلدان الإسلامية التي تحملت تبعاته كما لم يفعل أحد، كما تبث الأمل في قدرة اقتصادات الدول الإسلامية على تشكيل قوة ضاربة قادرة على المنافسة في عالم بات يرفض تحكم قطب واحد بالعالم، مع تطور الدول واكتشافها لقدراتها خاصة في ظل توحد القدرات المتنوعة، الأمر الذي تشجع عليه رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- منذ إطلاق رؤية 2030، التي لا تحد نفسها بحلف واحد بل تعتمد على التنوع والبحث والاستكشاف للوصول إلى أفضل الفرص والتجارب الرائدة. وفي هذا الشأن يتحدث ل «الرياض» عدد من الخبراء والمختصين في شأن دول وسط وجنوب آسيا، عكس الخبراء من خلال تصريحاتهم استراتيجيات دول تلك المنطقة. ويقول السفير الباكستاني السابق لدى أميركا حسن حقاني في حديثه ل «الرياض»: «لطالما كانت المملكة صديقاً وفياً لباكستان منذ الاستقلال حيث زارنا الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأعاد الأمل للشعب الباكستاني في العام 1966، من خلال إعلانه أن المملكة لا تقبل أن يجوع ويعاني شعب مسلم شقيق، وعلى الرغم من أن سياساتنا الخارجية آنذاك كانت خاطئة وكنا نتعرض للحصار بسببها، لم تعطنا المملكة العربية السعودية السمكة فقط، بل علمتنا أيضاً كيف نصيد، حيث وضع لنا الراحل الذي لن ننساه، خطة واستراتيجية لسياسة خارجية تخفف من وطأة الحصار والعقوبات ضدنا وهو الأمر الذي نجح بشكل كبير. مضيفاً؛ ما أراه في الأمير الشاب الطموح اليوم، هو مسار أخوي ليس بغريب على المملكة، حيث يسير الأمير محمد بن سلمان على خطى الملك الفيصل، فلا يأتينا ولي العهد باستثمارات فحسب، بل بخطة تضامن وتعاون شاملة تحفز البلدين وتفيد كلا الشعبين. ويعرب حقاني، عن إعجابه الكبير بنجاح ولي العهد في الوصول إلى الهند، متنبئاً بإنجازات اقتصادية هائلة على صعيد التعاون بين بلدين محوريين كالهند والمملكة حيث يقول: «الأمر في الهند مختلف عن باكستان، ففي باكستان المساعدة لها طابع الأخوة ومحاولة مد يد العون مع استراتيجية تضمن مصالح المملكة على المدى البعيد، أما في الهند، الاستثمار له هدف ربحي هائل ومباشر للجانب السعودي، فالهند هي الاقتصاد الذي سيستحوذ على العالم مستقبلاً، ولا أبالغ إن قلت إن الاستثمار في الهند أكثر ربحاً من الاستثمار في أي مكان آخر في العالم الآن». ويضيف حقاني، لحظة دخول ولي العهد إلى الهند، هي لحظة بدء عهد جديد من التكتلات الاقتصادية في العالم، والتي ترسمها خريطة جولة ولي العهد الآسيوية، حيث تستفيد المملكة من الهند بشكل غير محدود بسبب النمو الاقتصادي والأرباح الكبيرة للمشروعات الهندية، فالأبواب الهندية مفتوحة اليوم للمملكة للاستثمار في كل القطاعات، بما في ذلك قطاعات البنى التحتية التي لا تسمح الهند عادةً لأي دولة بالاستثمار فيها، كما سأعتبر هذا الانخراط السعودي في الاستثمار في الهند من أكثر الأخبار الاقتصادية أهميةً في المستقبل. وعن دور باكستان بين المملكة وإيران، يقول السفير حقاني: «أستطيع القول الآن إن باكستان مع المملكة ولم تعد بالمنتصف بين إيران والمملكة كما كان يتردد في الماضي، وهذا جهد يعود للطريقة العملية التي يتعاطى بها ولي العهد، ففي الماضي، تجنبت باكستان اتخاذ مواقف حاسمة من إيران بسبب محاولتها الموازنة، إلا أن اليوم الأمر مختلف، فالعالم كله يطالب بتغيير السلوك الإيراني وليس المملكة فقط، بل بات كل من يبقى في سفينة إيران من الغارقين، إضافة إلى إنهاك المصالح الباكستانية بسبب التدخلات الإيرانية، فإيران دعمت الإخوان في باكستان وأنهكتنا بسلوكها التخريبي، وليعلم الكل أن المتضامنين الآسيويين أكثر مع المملكة في مواجهة إيران». وعن الأدوار السعودية في أفغانستان، يقول حقاني: «ولي العهد ينطلق بتحفيز الشعوب والحلفاء على إرساء الأمن والاستقرار من خلال معادلة بسيطة وهي أن إرساء الأمن يعني مستوى معيشياً أفضل واقتصادات أكثر متانة وجاذبية للاستثمار». ومن هنا يرى حقاني أن أفغانستان مع المملكة، وإشغال دول المنطقة بالشراكات الاقتصادية والطموح لبناء تكتلات مؤثرة، تدفع جميع اللاعبين إلى الدفع لأجل السلام والتوصل إلى تسوية باتت قريبة مع طالبان، حيث بدأت باكستان بلعب دور إيجابي، وبدأت طالبان بمراجعة تاريخها السيئ لئلا يكون له صلة بالمستقبل. ويبين حقاني أن الرؤية البعيدة لولي العهد تقوم على رؤية تكتلات اقتصادية متماسكة ومؤثرة من جنوب آسيا إلى المملكة، للحصول على تأثير مشرقي قوي يبدأ على شكل اقتصادات قوية ويتطور ليصبح تأثيراً عالمياً يحرر المنطقة من الارتباطات الخارجية. ومن جانبه يقول الباحث في جامعة جورج تاون والمختص بتحليلات سياسات جنوب آسيا د. عارف رفيق: «من أهم ما يلاحظه المراقب لجهود ولي العهد بالتقارب مع دول جنوب آسيا، هو انتهاء مرحلة التذبذب في مواقف هذه الدول، فرأينا باكستان تتشجع على تغيير نبرتها الحيادية وتنحاز إلى المملكة». مضيفاً؛ تتمتع الرياض وإسلام آباد بعلاقات دبلوماسية واستراتيجية وثيقة منذ عقود، إلا أن تداعيات استراتيجية أكبر ستطرأ على هذا الاستثمار السعودي في باكستان. على سبيل المثال، قيام شركة أرامكو ببناء مجمع لتكرير النفط ومجمع للبتروكيميائيات في مدينة جوادر الساحلية الباكستانية، التي تعد موطناً لميناء تديره الصين، هو أمر لا يتعلق بباكستان وحدها بل يذهب أبعد بكثير من باكستان، ويربط المملكة بمصالح مع عملاق الاقتصاد الصين. كما تقع «جوادر» بالقرب من ميناء «شاباهار الإيراني»، الذي يتم تشغيله جزئياً من قبل شركة هندية، حيث سيعيد مشروع أرامكو رسم خريطة الصناعات النفطية، وطرق الربط بين آسيا ومنطقة المحيط الهندي عبر خطوط أنابيب وموانئ وطرق جديدة رسمتها الصين واليابان والهند لتنضم المملكة للتأثير فيها من خلال استثمارات المملكة وجولة ولي العهد إلى دول أساسية في آسيا. ويرى عارف رفيق، أن الاستثمار السعودي في جوادر وأماكن أخرى من باكستان، هو مؤشر على أن الرياض تتخذ خطوات استراتيجية لضمان رسم خريطة مستقبلية جديدة لتجارة المنطقة، بعيدة عن إيران وسيطرتها على الطرق التجارية، معتمدة على بلدان آسيا الوسطى بإيجاد طرق جديدة للتجارة بما في ذلك عبر باكستان. وبعيداً عن التجارة، يرى رفيق أن باكستان التي هي سادس أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان كقوة إسلامية رائدة، قادرة على لعب دول مؤثر في التسويات السياسية كداعم إيجابي لمواقف المملكة، وجهودها لمكافحة نفوذ إيران في منطقة جنوب آسيا التي لطالما اعتبرتها إيران فناء خلفي لها. كما يرى عارف رفيق، في كل استثمار سعودي في بلدان وسط وجنوب آسيا، هدف استراتيجي، حيث ستؤدي مشاركة أرامكو في مجمع تكرير في الهندوباكستان على ضمان أن المملكة هي المورد الأساسي للنفط لكلا البلدين، وهذا يعني المزيد من زبائن النفط الإيراني يذهبون إلى المملكة، حيث سيكون هناك أثر كبير لتحول معظم مشتريات النفط الهندي من المملكة بدلاً من إيران الأمر الذي يعده رفيق تغيراً تاريخياً يحرف بوصلة الهند بعيداً عن إيران بعد محاولات سابقة كثيرة عجزت في إحداث هذا التغيير. ويضيف عارف أن الجديد في الاستثمار السعودي، في الهندوباكستان، هو مماشاته لرؤية المملكة بتنويع مصادر الدخل، حيث تستثمر المملكة في البنى التحتية التكنولوجية في الهند في خطوة فائقة الأهمية في أهم القطاعات المربحة في عالمنا اليوم خاصة في الهند. من جهتها تقول آبارنا باندي مديرة مركز جنوب آسيا في معهد «هدسون» الأميركي: «تغيير أول من نوعه سيحدث من خلال التلاحم بين المملكة الغنية بالموارد، والعضو في مجموعة العشرين والمؤثر الأهم في أسعار النفط في العام، وما بين الهند التي تملك أكثر اقتصاد نما في العقدين الماضيين بنسبة 70 %». وترى أبارنا أن هذا التعاون يرى النور أخيراً الآن، بسبب الحاجة المتبادلة بين البلدين، فالهند تملك 2.2 مليار نسمة وتحتاج لكميات هائلة من النفط، كما يحتاج اقتصادها القوي إلى الكثير من الاستقرار واليقين في موارد النفط التي لم تعد إيران قادرة على تلبيتها. كما تعتد آبارنا وجود 20 مليون هندي في دول الخليج، مؤشر يقرب الحاجة الهندية للتواصل بشكل أكبر مع المملكة، إضافة إلى وجود عامل شعبي في الهند يحب المملكة كبلد ممثل لثاني أكبر مكون في الهند وهم المسلمين، الذين لطالما استثمرت إيران لأدلجتهم، ولكن رغم السنوات، بكل عفوية سيقول لك أي مسلم من الهند أنه يحب المملكة وحلمه زيارتها. كما تقول آبارنا، أن الاستقرار في الشرق الأوسط، هو أمر يهم الهند كثيراً، وأهم ما تريده الهند هو الاستقرار للحفاظ على نمو اقتصادها، وبالطبع الهند تعلم أن المملكة هي من يسعى لإرساء الأمن والسلام وليس إيران، فأي شيء يحدث في العراق أو سورية يؤثر على الهند واقتصادها. وترى آبارنا، أن التنسيق العسكري السعودي -الهندي قادم، وأن المملكة قادرة على قيادة تحالف مشرقي قوي لمكافحة الإرهاب لن تتردد قوى مثل الهند بالانضمام إليه في ضوء بحث المنطقة عن حلول لإرساء استقرار غير مكلف، بعيداً عن حروب القوى الغربية، وتؤكد آبارنا على أن المملكة هي أكثر المؤهلين لقيادة هذا التحالف، لامتلاكها كافة الوسائل من تيار ديني علمي يقود اليوم رسالة اعتدال وسلام، بالإضافة إلى الإمكانات الاقتصادية والقدرة على التأثير في دول العالم الإسلامي. بالنسبة للموقف الهندي من إيران، تقول آبارنا، الهند لا تتساهل مع الفوضى وهي أكثر ما تخشاه، وعلى الرغم من رغبتها بعدم معاداة إيران بشكل مباشر في الماضي، إلا أنها حاسمة في معارضة امتلاك إيران لسلاح نووي، كما تؤيد الهند العقوبات الأممية ضد إيران، ولا تقبل بأي نفوذ إيراني داخل افغانستان حيث منحت الهند الحكومة الأفغانية ملياري دولار لمكافحة النفوذ الإيراني، وبالتالي إيران باتت عالة وعامل إزعاج تدرك مخاطره كل دولة تملك رؤية حقيقية للنمو. ومن مؤسسة «هيريتيج» الأميركية، علّق د. جيف كبير الباحثين في ملف جنوب آسيا على جولة ولي العهد بقوله: «الولاياتالمتحدة ترحب بكل تأكيد بالنجاح السعودي بمد جسور متينة مع الهند وهو أمر يتطور في السنوات الأخيرة، وتراه أميركا عاملاً لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار، كما ترى أميركا في المملكة اللاعب الأقدر دون منازع على إرساء الاستقرار في أفغانستان، من خلال إقناع إسلام آباد بأدوار أكثر إيجابية في أفغانستان، لئلا يقود الانسحاب الأميركي إلى وضع كارثي. ويرى جيف أن الحل في أفغانستان يقترب من أن يكون محلياً ويفلت من يد الجانب الأميركي، حيث لا يرى أي تطور في مسار المحادثات مع الجانب الأميركي، ولا يوجد بعد أي تفاهمات بأي شأن، ليبقى التعويل الآن على دور سعودي قادر على إحداث تغيير يقنع كل اللاعبين في أفغانستان بأن السلام يحقق مصالحهم جميعاً.