توازن المملكة حركتها العالمية بالبعد الآسيوي المهم والمتنامي عالمياً، خصوصاً أنها سوق نفطية للصادرات السعودية التي تبلغ نحو 70 في المائة من إجمالي صادراتها، في الوقت الذي ترى فيه السعودية أن التحالف الغربي يتعثر وتزداد شروخه، ومن الحكمة البحث عن عناصر القوة الكامنة التي تضيف إلى عناصر القوة الذاتية المتمثلة في رؤية المملكة 2030، والتحول الوطني. لن تستكين المملكة إلى مسكنات الناتو العربي المتمثل في التحالف السعودي المصري مع دولتي الإمارات والبحرين إلى جانب الكويت والأردن، لكن هذا لا يمنعها من التوجه شرقًا التي بدأت بجولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان ثم الهندفالصين. المملكة تستثمر الوزن الإستراتيجي الذي تتمتع به السعودية من مركزيتها في العالم الإسلامي، وموقعها الإستراتيجي المتوسط، والجيوإستراتيجي بين الخليج العربي والبحر الأحمر والقرن الإفريقي، وقيادتها للأسواق النفطية العالمية، وعضويتها في مجموعة العشرين. وترى المملكة في باكستان دولة محورية، خصوصاً أن الزيارة أتت في أجواء من التوتر الإقليمي الشديد، وتتهم الهند وإيران المتجاورتان إسلام أباد بالتورط في هجومين انتحاريين أسفرا عن سقوط قتلى قبل تلك الزيارة، خصوصاً أن إسلام أباد ترتبط بتحالف تاريخي مع الرياض. لذلك تبذل السعودية مساعيها في حل الخلاف بين إسلام أباد ودلهي سلميًا، وفي الوقت نفسه تطويق مساعي طهران لاستغلال التوتر بين البلدين، وفي الوقت نفسه أرادت المملكة ملئ الفراغ الذي ستتركه الولاياتالمتحدة في المنطقة برحيلها من أفغانستان، وخلق جبهة مضادة لطهران، وذلك استكمالاً لعمل متواصل منذ عقود تتمثل بتقوية باكستان لتكون حليفًا مهمًا للرياض في منطقتها. زيارة ولي العهد لباكستان ليست فقط اقتصادية، بل هي زيارة باعتبار باكستان قطبًا مهمًا في العالم الإسلامي، وهي قوة نووية وعسكرية يعتد بها، وهي تشكل نافذة على مهمة على أفغانستان التي ينطلق منها الإرهاب، وتتهم باكستان، لذلك هناك تعاون سعودي باكستاني لعودة الاستقرار إلى أفغانستان، وهي جزء من مواجهة الإرهاب التي تتذرع به الدول المجاورة لعزل باكستان. وقعت المملكة مع باكستان 8 اتفاقيات بقيمة 20 مليار دولار، أبرز هذه الاتفاقيات حجز المملكة مقعدًا لها في ميناء جوادر بإقامة مصفاة أرامكو بقيمة 10 مليارات دولار، وهذا الميناء الواقع على بحر العرب بالقرب من مضيق هرمز الذي يمر منه ثلث نفط العالم، ويعتبر ميناء جوادر محطة رئيسة ضمن مشروع الحزام والطريق الضخم. تأتي زيارة ولي العهد للهند والصين باعتبار أن آسيا باتت قطبًا اقتصاديًا يكافئ اقتصادها اقتصاد الغرب، ولكل منهما 35 في المائة من الناتج العالمي، أي يمثلان 70 في المائة من مجموع الإنتاج العالمي، خصوصاً أن آسيا منطقة نامية تعتمد على صادرات النفط السعودي في نموها الاقتصادي، فلا يمكن تجاهلها. وتعتبر الصينوالهند قطبين اقتصاديين، كما أن كلتيهما من الأقطاب التكنولوجية والحصول على التكنولوجيا منها ليست بشروط الحصول نفسها على التكنولوجيا من الغرب. وتتجه المملكة لتحقيق تعاون إستراتيجي بينها وبين الهند باعتبار أن الهند قوة اقتصادية قادمة، وتهتم بالتعاون بينها وبين دول الخليج باعتبار منطقة الخليج الغنية بمصادر الطاقة تتهدها عوامل عدم الاستقرار بين القوى الإقليمية، وهي أكثر الدول تدرك أبعاد المشهد الإقليمي، وتهتم بعودة الاستقرار إليه، لذلك زيارة ولي العهد للهند تنعكس بشكل إيجابي على أهمية الموقع الإستراتيجي للعرب بالنسبة للهند بدلاً من سياسة المحاور التي كانت سائدة في الماضي.