معظمكم سمع بتوماس أديسون المخترع الأميركي، الذي اشتهر بكثرة اختراعاته.. قدم 1093 اختراعا من بينها الفونوغراف والمصباح الكهربائي وماكينة السينما وبطارية السيارات التي قدمها لصديقه فورد. ورغم وفاته عام 1931 ظل صاحب الرقم القياسي في عدد الاختراعات حتى عام 2003 حين تجاوزه الياباني "شونبي يامازاكي".. واليوم وصلت اختراعات يامازاكي إلى 4743 اختراعا، أشهرها القرص المرن والشريحة الشفافة، (ويمكنك رؤية صورته بإدخال اسمه في جوجل (Shunpei Yamazaki). والمدهش أن هذا المخترع الياباني تم تجاوزه هو نفسه عام 2008 من قبل مخترع أسترالي يدعى كيا سيلفربروك قدم 4744 اختراعا (قبل أن يعود يامازاكي لتجاوزه مجددا عام 2017) ويتجاوز كلاهما أديسون. وكنت سأكتفي بالحديث عن هذين المخترعين لو أن أديسون تراجع للمركز الثالث فقط، غير أنه (وخلال آخر 15 عاما فقط) تراجع بسرعة إلى المركز العاشر. فبعد الياباني يامازاكي، والأسترالي سيلفربروك، احتل المركز الثالث الأميركي لويل وود (1653 اختراعا)، يليه مواطنه رودريك هايد (1499 اختراعا)، ثم الياباني جن كاياما (1289 اختراعا)، ثم الهندي جورتيج ساندهو (1284 اختراعا).. وتستمر القائمة حتى نعثر على أديسون في المركز العاشر ب1093 اختراعا. ويعود السبب في ظهور هذا العدد الكبير من المخترعين إلى اهتمام المجتمعات المتقدمة بتسجيل براءات الاختراع نفسها.. اكتشفت فجأة أن حقوق الابتكارات ذاتها سلعة ذهبية تدر ملايين الدولارات (سبق ونبهت لأهميتها في مقال بعنوان: الملكية الفكرية أهم من الثروات الطبيعية). أثناء تحضيري لهذا المقال، لاحظت أن أكثر المخترعين إنتاجا يحمل معظمهم (من بين كل جنسيات العالم) الجنسيتين الأميركية أو اليابانية، وهذا في حد ذاته دليل على غفلة الشعوب الأخرى، وحقيقة أن "براءات الاختراع" تحولت إلى صناعة تحتكرها الشعوب المتقدمة. ما لا يدركه معظمنا أن مجرد الحصول على براءة اختراع (وهي مجرد مثال لحق الأسبقية والاكتشاف)، يعني احتكار السلعة المنتجة لعشرين عاما مقبلة.. لهذا السبب ظهرت في الدول المتقدمة شركات متخصصة في جمع واحتكار "براءات الابتكار"؛ إما لإعادة بيعها وإما لمقاضاة الشركات التي تنتهك حقوقها (ومثال ذلك شركة بوما التي كسبت 327 مليون دولار بفضل دعوى قضائية رفعتها على شركة أبل تتعلق بانتهاك سبع براءات تتعلق بذاكرة الهاتف وتقنيات عرض الفيديو)!! أعتقد شخصيا أن سبب كسر رقم أديسون قبل 15 عاما فقط (وظهور ثلاثين مخترعا يكادون يتجاوزونه اليوم) يعود إلى انتقال المجتمعات المتقدمة من "اقتصاد التصنيع" إلى "اقتصاد المعرفة".. إلى اكتشافها أن "حقوق التصنيع" أصبحت أكثر ربحية من عملية التصنيع ذاتها بدليل حصول شركة أبل على 80 في المئة من قيمة الآيفون الذي تشتريه، مقابل 20 في المئة فقط تحصل عليها شركة فوكسكون الصينية.. التي تصنعه فعليا!!