أغرمتُ في طفولتي بقصص المخترعين والمستكشفين والعظماء - لدرجة ظننتهم من أفراد العائلة - .. ومن الأسماء التي أعجبت بها فعلا توماس أديسون المخترع الذي طرد من المدرسة (بحجة أنه غير قابل للتعلم) ثم قدم للبشرية أكثر من ألف اختراع مفيد.. وهو (مثل كل العظماء) لا يمكن نسبته إلى جنسية أو أمة معينة كون اختراعاته خدمت البشرية بمختلف جنسياتها ومواقعها وتنوعاتها .. ويكفي القول إنه أول من بنى محطة لتوليد الكهرباء وأول من أضاء العالم باختراع المصباح الكهربائي! وكان أديسون (الذي توفي عام 1931) قد تحول الى أسطوره حتى قبل وفاته لدرجة لقبه الناس ب"ساحر منلوبارك" حيث يقع مختبره العجيب.. وحتى اليوم مايزال اسمه راسخا في أذهان الأمريكان كأعظم مخترع في التاريخ (بل وأكثرهم ثراء بفضل ابتكاراته التي تأسست عليها شركات عملاقة مازالت تعمل حتى الآن ( مثل جنرال إلكتريك الشركة التي أسسها بنفسه)! - ولكن : * هل مايزال أديسون يحتفظ برقمه القياسي هذه الأيام!؟ * هل يستحق لقب أعظم مخترع في التاريخ بمعايير الثورة التقنية الحديثة!؟ لا أخفي عليكم - من فرط تعصبي لهذا الاسم - تجاهلت لفترة طويلة أسماء حديثة بدأت تتفوق عليه من حيث الاختراعات المسجلة دوليا.. فمنذ عشرسنوات تقريبا وأنا أسمع عن الياباني يوشيرو ناكاماتيس الذي يملك أكثر من 3200اختراع مسجله باسمه (لعل أبرزها قرص الكمبيوتر المرن الذي ابتكره في شبابه ودخل بسببه في منازعات قضائية مع شركةIBM الأمريكية).. وحين تقرأ رقم ناكاماتيس فإن أول ما يخطر ببالك تكذيبه أو افتراض المبالغة حياله (خصوصا في ظل ادعائه وجود ثلاثة آلاف أخرى غير مسجلة رسميا). غير أن الرقم السابق موثق رسميا في مكتب البراءات الياباني ومكتب الاختراعات الأمريكي الذي يعترف له ب 2998اختراعا (وبالتالي يمكن القول إن أعظم مخترع مسجل في أمريكا ياباني يعيش في طوكيو)! ... أما ثاني أعظم مخترع في التاريخ (وأيضا ثاني أعظم مخترع مسجل في مكتب البراءات الأمريكي) فمواطن ياباني آخر يدعى شونبي يامازاكي يملك أكثر من 1432اختراعا وتصميما هندسيا.. وتتركز معظم اختراعات يامازاكي في الكمبيوتر والفيديو والشرائح الإلكترونية (لعل أكثرها شهرة شريحة الكمبيوتر المدمجة التي قدمها عام 1980، وآخرها شريحة الكمبيوتر الشفافة والقابلة للطي في فبراير الماضي)... وفي الحقيقة؛ حتى في أمريكا نفسها تم التغلب على رقم توماس أديسون من خلال مواطنه دونالد ويدر الذي يعيش في ألينوي ويملك أكثر من 1322اختراعا مسجله باسمه (وإن كانت من وجهة نظري لا تقارن باختراعات أديسون النوعية كون معظمها يتعلق بالديكور المنزلي وتعديل أجهزة موجودة مسبقا)!! ... على أي حال طالما قررنا ترتيب أعظم المخترعين (حسب أرقامهم الرسمية) يتراجع توماس أديسون الى المركز الرابع في القائمة ب 1093اختراعا رسميا .. علماً أن أصحاب المراكز الأولى مازالوا على قيد الحياة ويزاولون عملهم بنشاط! ... بقي أن أذكّر بحقيقة أساسية ومهمة؛ وهي عدم وجود أمة أفضل من أمة ولا شعب أذكى من شعب؛ بل الامم هيأت لأبنائها سبل التشجيع والابتكار وحفظ الحقوق - وإمكانية التصنيع - وأخرى مازالت تتبارى على إمارة الشعر ومزايين الخراف واجترار ماضيها المجيد!