يصف الاقتصاديون التستر بأنه سرطان الاقتصاد المحلي، الذي استمر لسنوات طويلة ينخر في جسد الاقتصاد، ويصدر له أكثر المشكلات من بطالة ومخاطر أمنية وغش ومنافسة غير مشروعة، واقتصاد خفي، وتحويلات مالية مضرة بالاقتصاد، وتشويه لسوق العمل، والسيطرة على قطاعات اقتصادية، وحرمان الوطن والمواطن من عوائدها. ولذلك جاء البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، الذي أعلن وزير التجارة والاستثمار أول من أمس إطلاقه الأحد المقبل، وهو إحدى مبادرات منظومة الوزارة لبرنامج التحول الوطني 2020 للقضاء على التستر والحد من انتشار الغش التجاري، بمشاركة عدة جهات حكومية بينها؛ وزارة الداخلية، وزارة العمل، وزارة الشؤون البلدية والقروية، الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، الهيئة العامة للزكاة والدخل، مؤسسة النقد والهيئة العامة للاستثمار، ليؤكد عزم الحكومة على القضاء على هذه الظاهرة وتوفير بيئة استثمارية جاذبة تتماشى مع رؤية المملكة 2030. توحيد الجهود بين الجهات الحكومية في مكافحة التستر التجاري، أحد المطالب المهمة للقضاء على الظاهرة، ومن المؤمل أن يركز برنامج المكافحة على سن المزيد من العقوبات الصارمة على أطراف جريمة التستر، ومراقبة مصادر الأموال التي يحولها المتسترون والتي تتجاوز أضعاف ما يتقاضونه من مرتبات شهرية، إضافة إلى تحديث الأنظمة والتشريعات الخاصة بمكافحة التستر وتشديد العقوبات وتعزيز التوعية. مشروع التوطين الذي تعمل عليه الدولة بكل أجهزتها، لن يتحقق إذا استمرت ظاهرة التستر تنخر في الاقتصاد. والمتخصصون يرون وجود علاقة بين التستر وتوطين القطاعات التجارية، فالعلاقة بينهما طردية، فالتوطين لن يتحقق إذا استمر التستر يضرب أطنابه، ويراه الجميع واضحاً، وحتى مع بدء توطين عدة قطاعات مؤخراً، فقد أصبح بعضها يذكرنا بمشروعات السعودة الوهمية نتيجة التفاف المتسترين على الأنظمة، حيث لا يزال بعض المقيمين يمارسون أعمالهم التجارية تحت غطاء وهمي يتمثل في توظيف سعودي لا تتجاوز مهمته الجلوس على "الكاشير". يجب على المواطن أن ينظر إلى التستر كجريمة اقتصادية، وليس مجرد مخالفة، وأن يمارس جميع أدواره المطلوبة في تجفيف منابع التستر، ولكي نعي خطورته يجب أن نعرف أنه أحد الأسباب الرئيسة في وصول حجم العاطلين لدينا بنهاية الربع الثالث، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء إلى 923.5 ألف سعودي، فضلاً عن الخسائر السنوية التي تقدرها بعض الدراسات بأكثر من 236 مليار ريال سنوياً.