«أعيش في غربة دائمة، وأنا في بحث مستمر لا يهدأ، واللوحة هي عالمي، وبها أرى الحياة»، هكذا رسمت منيرة موصلي «لوحة حياتها» التي مزجت فيها كل الألوان والخامات والدلالات أكثر من أربعة عقود من الزمن، لتتحول هذه الفنانة السعودية الاستثنائية إلى «ظاهرة فنية» سبقت عصرها. تُعتبر الفنانة التشكيلية السعودية منيرة موصلي، واحدة من أهم رواد الفن التشكيلي في السعودية، وأول سيدة خليجية درست الفنون الجميلة، وصاحبة أول معرض فني نسوي مع زميلتها الفنانة الرائدة صفية بن زقر، الذي أقيم في مدرسة دار التربية الحديثة في جدة، وذلك في الأول من أبريل عام 1968. ولدت منيرة أحمد محمد موصلي في مكةالمكرمة عام 1954، وتنقلت بين مصر ولبنان من أجل الدراسة، حيث درست الابتدائية في مصر، والمتوسطة في لبنان، لتعود مرة أخرى إلى مصر وتُنهي المرحلة الثانوية فيها، ثم تلتحق بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، وتتخرج فيها عام 1974، ودرست التصميم في الولاياتالمتحدة الأميركية، ونالت الدبلوم في هذا الفن عام 1979، لتعود بعد ذلك إلى وطنها السعودية، وتعمل مسؤولة عن المطبوعات في إدارة العلاقات العامة في شركة أرامكو في الظهران، وفي عام 2003 تفرغت تماماً للرسم، وسكنت البحرين فيما تبقى من حياتها. ولقد شكّلت المدن المختلفة التي عاشت فيها الفنانة منيرة موصلي، شخصيتها المنفتحة على كل الثقافات والقناعات، واستطاعت أن تُعيد إنتاج كل تلك التمايزات والتناقضات عبر لوحاتها التي كانت تضج بكل اللغات والمدركات. وتُعتبر تجربة الفنانة الرائدة منيرة موصلي في عالم الفن التشكيلي، ثرية وعميقة ومتجددة، ومنذ بداياتها الفنية الأولى، تشكّل في وعيها عشق الفرشاة التي كانت بالنسبة إليها السلاح الذي ستهزم به كل المعوقات والتحديات. وقد استطاعت منيرة موصلي، أن تصنع لها أسلوباً فنياً مختلفاً، يميل كثيراً إلى أنسنة الألوان وتسامح الخطوط، ورغم وعيها العميق بقيمة الموروث العربي، إلا أنها كانت تعشق التجديد، سواء في لوحاتها أو في حياتها. وخلال مسيرتها الفنية التي امتدت أربعة عقود، أقامت الفنانة منيرة موصلي عديدا من المعارض الفنية، كان أولها في جدة عام 1972، ثم توالت المعارض في عديد من المدن العربية والعالمية، كما أسست «مهرجان الفن» في مدينة الخبر شرق السعودية وذلك عام 2007. ويُعدّ «على سلالم اللون هناك آثار لخطواتي»، وهو عنوان معرضها الذي أقيم في جدة عام 2016، الذي ضم 57 عملاً فنياً، هو خلاصة فلسفتها اللونية للفن والحياة، ووثقت اللوحات التي رُسمت ما بين عام 1968 وعام 2015 تجربتها الفنية الرائدة، كما سجّلت تطور وعيها الجمالي. ونالت الفنانة منيرة موصلي عديدا من الجوائز والتكريمات من وطنها السعودية ومن بعض الدول العربية والعالمية، ونشرت عديدا من الدراسات الفنية في بعض الصحف والمجلات السعودية والعربية، التي تعكس نظرتها للفن كقيمة وضرورة، كما كانت تجربتها الفنية وسيرتها الشخصية مادة ملهمة لكثير من المقالات والدراسات، كما اختيرت عام 1994 للعمل اختصاصية فنية في برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأممالمتحدة الإنمائية، وفي بادرة رائعة وجّه وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان بإطلاق اسمها على إحدى دور العرض الفنية في المملكة، وذلك نظير إسهاماتها وإنجازاتها في مسيرة الحركة التشكيلية السعودية. ولقد شاء القدر أن ترحل الفنانة الرائدة منيرة موصلي قبل أن تُقيم معرضها الأخير في المدينةالمنورة، وبعد معاناة طويلة مع مرض عضال في الكليتين، وفي عمر ال 64، تُوفيت يوم الجمعة 11 يناير من هذا العام. منيرة موصلي، ابنة الحجاز التي تشكّلت من عديد من الأوطان والألوان والأزمان، والتي كانت «ترسم على كل شيء، على ملابسها، وعلى الجدران»، ارتقت على سلالم اللون بخطى ثابتة لتُصبح أيقونة فنية في تاريخ الفن السعودي المعاصر. لوحات فنية تجوب العالم وتضج بكل اللغات والمدركات div class="image" منيرة موصلي