عُرف الأمي بين الناس بأنه الذي لا يحسن القراءة والكتابة، وظل الكثيرون يحاولون بشتى الطرق التخلص من هذه الصفة فأقدموا على التعلم لكسر حاجز الأمية الذي يجعلهم في تخلف عن ركب المعرفة، وكانت أسباب الأمية التي كانت متفشية بكثرة في الجيل السابق هي صعوبة ظروف العيش التي لم تمكنهم من مواصلة التعليم، أو الفرار من مقاعد الدراسة جراء القسوة التي تعرضوا لها من قبل المعلمين فيما مضى، خاصةً لمن كان مستواه ضعيفاً، حيث لم يكن يجد الطالب الضعيف من يأخذ بيده ويستذكر له دروسه في المنزل ويساعده في حل واجباته المنزلية لجهل الوالدين وأميتهم. وفي البدايات أسهمت «الكتاتيب» التي كانت منتشرة في المساجد أو بيوت أحد الموسرين في نشر المعرفة والثقافة ومعرفة مبادئ القراءة والكتابة وقراءة القرآن ودراسة العلوم الشرعية وشيء من الحساب، وكان جل من يذهب إلى هذه الكتاتيب من كان ذووه من الموسرين الذين يستغنون عن مساعدة أبنائهم لهم في طلب العيش، إضافةً إلى مقدرتهم على دفع أجرة معلم الكتاتيب في نهاية كل شهر، والتي كانت تدفع من النقود من الأغنياء أو الطعام الجيد من الموسرين كصاع من الحنطة أو «وزنة» من تمر، أو مما تيسر من «أقط» أو سمن وما يتوفر من جيد الطعام، وبعد توحيد المملكة على يد المؤسس الراحل جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي أولى التعليم ونشر المعرفة جل اهتمامه افتتحت المدارس النظامية في المدن الكبيرة في البداية، وانتدب لها المعلمين الأكفاء، وعاماً بعد عام تزايد عدد المدارس وتم ترغيب الناس في التعليم وصرفت المكافآت للطلبة لتعينهم على مواصلة التعليم، وبعد أن عمت المدارس جميع مدن وقرى وهجر البلاد تم الالتفات إلى كبار السن ممن فاتهم ركب التعليم فتم افتتاح العديد من مدارس محو الأميّة ونشر الحملات التوعوية في كل عام إلى البلدان النائية، واستطاعت وزارة التعليم في وقت قياسي محو أمية الكثيرين وتقليص أعدادهم، وفي عصرنا الحاضر وبعد انتشار التعليم والمعرفة والقضاء تقريباً على الأمية بدأت تلوح في الأفق أمية جديدة ألا وهي أمية الجهل بالتقنية الحديثة واستخدام أجهزة الحاسوب التي بات استخدامها ضرورة فرضتها تقنية العصر الحديث، الذي جعل ممن لا يحسن التعامل مع أجهزة الكمبيوتر والتطبيقات الذكية أمّياً لا يستطيع إنجاز معاملاته اليومية، فكل المعاملات باتت تستلزم الدخول على المواقع الإلكترونية للدوائر الحكومية والشركات من أجل إنجاز معاملة الشخص، وباشرت الدوائر الحكومية والشركات في تدريب موظفيها على رأس العمل من أجل استخدام التقنية في أعمالهم، وقد عمدت كثير من الشركات خاصةً إلى الاستغناء عن موظفيها القدامى الذين لا يستطيعون التعامل مع أجهزة الحاسوب ولا يستفيدون من الدورات التي تنفذها لصقل مهاراتهم لكبر سنهم، وذلك بإغرائهم بالتقاعد المبكر مقدمةً لهم العديد من المميزات كما عرف ب»الشيك الذهبي»، والذي يضمن مبلغاً كبيراً من المال وصرف راتب تقاعدي مجز جعل الكثير يتقبله ويترك العمل لغيره من الشباب المؤهل والحاصل على شهادات في إجادة التعامل مع أجهزة الحاسوب التي بها يدار العمل. أكثر من مرحلة وبذلت الحكومة الكثير من الجهود للقضاء على الأميّة منذ القدم، ولقد مرت تلك الجهود في سبيل مكافحة الأميّة وتعليم الكبار بالعديد من المراحل، يمكن تقسيمها إلى: المرحلة الأولى (الجهود الفردية) وهي الجهود التي بذلها نفر من المعلمين بالقرى والمدن، من خلال تخصيص حلقات بالمساجد، أو حجرة، أو بيت المعلم، يدرس به مجموعة من الصغار والكبار، لتعليم أساسيات القراءة والكتابة، ومع الوقت تطورت تلك الجهود وأخذت طابعاً أكثر تنظيماً، ومن تلك الجهود مدرسة النجاح الليلية بمكةالمكرمة والتي تأسست العام 1350ه لإتاحة الفرصة لمن حرموا التعليم النهاري لظروف خاصة بهم، وكانت تسير وفق منهج المدرسة الابتدائية الحكومية، وكانت هناك مدارس التشجيع الليلية بمكةالمكرمة العام 1358ه، والتي أوجدت بناءً على طلب الأهالي لمديرية المعارف لتكوين لجنة لتشجيع المدارس الليلية ولمساعدتها مالياً وإدارياً، كذلك مدارس الشيخ عبدالله القرعاوي بجنوب غرب المملكة العربية السعودية، وقد شاركت المدارس الأهلية القديمة بجهود في هذا المجال ومنها: الصولتية 1291ه، والفلاح - جدة 1323ه، مكة 1330ه-، والفخرية العثمانية، ودار الحديث 1353ه، ومدرسة العلوم الدينية 1353ه، وكانت الدولة تمد تلك المدارس بالعون. أمّا المرحلة الثانية فقد جاءت بجهود الدولة قبل العام 1369ه، حيث افتتحت مديرية المعارف العمومية العام 1335ه قسماً ليلياً بالمعهد العلمي السعودي لتعليم الموظفين الذين لديهم الرغبة ولا تساعدهم ظروفهم، وهي أول الجهود للتعليم الليلي، ويمكن اعتبارها أول الجهود لتعليم الكبار ومحو الأمية، وفي رجب 1356ه افتتحت مدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية، وفي العام 1368 ه افتتحت مدرسة لتحسين الخطوط والآلة الكاتبة، وفي العام 1369ه افتتحت مدرسة المعلمين الليلية وكانت تصرف لكل طالب (60) ريالاً. أمّا المرحلة الثالثة فهي جهود الدولة بعد العام 1369ه، حيث أنشأت وزارة المعارف إدارة خاصة بتعليم الكبار ومحو الأمية العام 1374ه أطلق عليها إدارة الثقافة الشعبية، ربطت بإدارة التعليم الابتدائي، وبلغ عدد مدارس محو الأمية وتعليم الكبار (13) مدرسة العام 1375ه، وفي العام 1378ه انفصلت وأصبحت إدارة مستقلة بذاتها، عرفت باسم إدارة الثقافة الشعبية، وفي العام 1392ه صدرت الموافقة الكريمة على نظام تعليم الكبار ومحو الأمية، وعدل اسم الإدارة العام 1397ه إلى الإدارة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية، ليتناسب مع طبيعة عملها وأنشطتها، وفي العام 1405ه أصبح اسمها الأمانة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية، وبلغ عدد مدارس محو الأمية وتعليم الكبار (88) مدرسة العام 80 / 1381ه. مكافحة الأميّة وحرصاً من وزارة المعارف - التعليم حالياً - على تعليم الكبار ومكافحة الأميّة تم تشكيل اللجنة العليا لمحو الأميّة وتعليم الكبار، برئاسة وزير المعارف وعضوية كل من وكيل الوزارة عضواً ونائباً عن الرئيس، وأمين عام تعليم الكبار ومحو الأمية عضواً ومقرراً، وعضوية وزارة الدفاع والطيران والمالية، ووزارة الثقافة والإعلام ورئاسة الحرس الوطني - وزارة الحرس الوطني حالياً - والرئاسة العامة لتعليم البنات -سابقاً -، ولقد تضمنت سياسة التعليم السعودية في الفصل السابع من الباب الخامس عدداً من المواد حول مكافحة الأميّة وتعليم الكبار، هي: تهتم الدولة بمكافحة الأميّة وتعليم الكبار، وتدعم هذا النوع من التعليم فنياً وإدارياً ومالياً، وذلك تحقيقاً لرفع مستوى الأمة، وتعميم الثقافة بين أفرادها، وتستهدف مكافحة الأمية وتعليم الكبار تحقيق الأمور الأساسية التالية: تنمية حب الله وتقواه في قلوبهم وتزويدهم بالقدر الضروري من العلوم الدينية، وتعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، والتوعية العامة في شؤون الحياة، ويوضح المنهج مستوى الدراسة والخطة التفصيلية والمواد التدريسية، ومن المواد أيضاً: توضع من قبل الجهات التعليمية المختصة خطة زمنية قائمة على الإحصاء لاستيعاب الأميين، والقضاء على الأميّة، وتتعاون في تنفيذها الوزارات والمصالح المعنية، وتكون فترة المكافحة والتعليم على مرحلتين: المرحلة الأولى: وتنتهي بالحصول على شهادة محو الأمية، والمرحلة الثانية: المتابعة لنيل الشهادة الابتدائية، كما تسهم وسائل الإعلام في التوعية العامة التي تشعر الأميين بأهمية التعليم، وتساعدهم بالبرامج التعليمية الممكنة، وتشجع الأفراد والجماعات على الإسهام في مكافحة الأمية وتعليم الكبار تحت إشراف الجهات المختصة، وتسهم المدارس الأهلية في هذا النوع من التعليم، ولا تصرف إعاناتها إلاّ بنصيبها المقرر فيه وفقاً لنظام التعليم الأهلي، وتتولى الجهات المختصة محو الأميّة بين النساء وفق إمكاناتها، وتكيف برامجها بما يحقق الأهداف الخاصة بتعليم المرأة وفقاً لأحكام الإسلام. تعاملات إلكترونية وكانت المعاملات التي يريد إنجازها الناس فيما مضى منذ عقد أو عقدين من الزمان تقضى بالمراجعات الفورية، بحيث يقوم المراجع بمراجعة الدائرة التي يريد كاستخراج جواز سفر، أو تجديد إقامة مقيم، أو التقديم على طلب فسوحات بلدية، أو تقديم على وظائف حكومية أو أهلية، أو حتى تحديد موعد لمراجعة المراكز الصحية والمستشفيات وما شابهها، ويعبئ النماذج المطلوبة يدوياً ومن ثم يقوم الموظف بإكمال اللازم، أمّا في أيامنا هذه فقد بات معظم تقديم الطلبات يتم عن طريق الدخول إلى موقع الدائرة التي يرغب الخدمة منها عبر الشبكة العنكبوتية ومن ثم يكمل إدخال بياناته ليتم تحديد موعد له للمراجعة، أو تتم خدمته في الحال، ويطبع المستند المطلوب، وأصبح من لا يحسن التعامل مع أجهزة الحاسوب ومعرفة كيفية الدخول والتسجيل في المواقع وخصوصاً من كبار السن يستعين بالآخرين ممن يحسن التعامل مع هذه الأجهزة والمواقع، وقد يلجأ من كان ليس لديه قريب أو صديق يخدمه إلى مكاتب الخدمات العامة لإتمام عمله، فلاحت في الأفق أمية جديدة لم يكن الناس يعرفونها وهي أمية الجهل بالتقنية، فليس الأمي في زماننا هذا من لا يحسن القراءة والكتابة، بل صار من يجهل التعامل مع التقنية أمياًّ في حياتنا المعاصرة التي باتت تعتمد وبشكل كبير على التقنية، فأصبح جهاز الهاتف النقال ضرورة ليس لإجراء المكالمات فقط بل للتواصل مع الجميع، فبواسطته يتم الدخول على كافة المواقع التي تستلزم الدخول لإنهاء إجراءات الشخص في حياته اليومية كحجز موعد سفر على الطائرة، أو القطار، فيستطيع أن يحجز مقعده على الطائرة دون الحضور إلى مكتب سفريات، ويستطيع كذلك إجراء تأكيد الحجز وبطاقة الصعود وبمجرد حضوره إلى المطار يستطيع الركوب على الطائرة بإبراز بطاقة الصعود على هاتفه النقال، أو لحجز مقعد في مباراة كرة قدم، أو حتى حجز موعد في مستشفى، وغيرها الكثير من الخدمات التي تستدعي استخدام التقنية في إجراء هذه الخدمات. مادة الحاسب ونظراً لأهمية استخدام التقنية في الحياة اليومية فقد أقرت وزارة التعليم منذ وقت طويل تدريس مادة الحاسب الآلي في المدارس الثانوية، ومن ثم أقر تدريسها في المدارس المتوسطة، وصارت مادة أساسية ومن المواد المهمة، وزاد من أهميتها أن المناهج الحديثة صارت تستخدم «باركود» يستطيع الطالب من خلاله الانتقال إلى المنهج الإلكتروني، حيث سيكون لكل درس في كتب صفوف المرحلة الأولية رمز «باركود» يستطيع الطالب من خلاله الانتقال إلى المنهج الإلكتروني في بوابة عين بعد مسح الرمز بواسطة الجوال، فعند المسح سيحصل الطالب على محتوى إضافي لمعلومات قيمة إثرائية للدرس، وبعد ذلك يتمكن من الانتقال إلى بنك أسئلة حول الدرس يستطيع الطالب تقييم نفسه من خلال الإجابة عليها، ويأتي الإجراء بعد أن قرر وزير التعليم إسناد طباعة ومراجعة الكتب الدراسية إلى شركة تطوير للخدمات التعليمية التي تهدف إلى توفير حلول تعليمية مميزة وفق معايير عالمية مدعومة بحلول إلكترونية متكاملة وتطوير مهني متمازج، وبذلك فإنه لكي يتم محو الأميّة التقنية لابد من الاتجاه إلى توظيف وسائل التقنية الحديثة في اكتساب المهارات الحياتية، حتى تنعكس على سلوك الأفراد والمجتمع، خاصةً بالنسبة إلى الأطفال الذين ينبغي أن تتم تنشئتهم على حب المعرفة والتعلق بوسائل اكتسابها في التعليم والتشجيع. الكتاتيب سبقت التعليم النظامي الجهات الحكومية درّبت موظفيها على التعامل مع التقنية الحديثة بات بالإمكان إنجاز المعاملات في الوقت الحالي بالهاتف الجوال خدمة حجز موعد إلكترونياً تستخدم في أغلب الوزارات التعليم الإلكتروني أصبح مهماً لتحقيق رؤية المملكة 2030