عندما كان «البريد» سيد المجتمع في زمنه، وكان الوسيلة الوحيدة للتواصل الاجتماعي قبل الهاتف والإنترنت و»فيسبوك» و»تويتر» و»واتساب» وكل وسائل «السوشال ميديا» اليوم، فقد كان البريد يمثل جزءًا من هوية الإنسان وثقافتة وتراثه وموروثه الشعبي، وقد تدفقت أحاسيس الشعراء بأعذب الغزل على لسان عمالقة الفن، يقول فنان العرب محمد عبده: «ما تردين الرسايل، ويش اسوي بالورق»، كما تغنى طلال مداح بالأغنية اليمنية الشهيرة «بالله عليك ياموزع خذ معاكم بريد»، وتغنى كذلك الفنان سلامة العبدالله بأغنية: «ارسلت لك ياعزوتي كم مرسول وابطى جوابك ياحبيبي عليه» وكذلك الفنان عبادي الجوهر: «كلمة ولو جبر خاطر، والا سلام من بعيد، والا رساله ياهاجر، من يد ساعي البريد»! وهناك كثير من الشعراء الذين تضمنت قصائدهم العاطفة الجياشة، التي تقترن برسائل البريد، وتغنى بها كثير من الفنانين والفنانات. ورغم التحول الرقمي اليوم باستخدام أحدث وسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت الرسائل ترسل وتصل إلى المرسل إليهم قبل أن يرتد إلى أحدهم طرفه وبسرعة الضوء، مع ضمان السرية التامة والصور ومقاطع الفيديو، ولكن إحدى تلك الوسائل الحديثة لم توظف شعرا أو نثراً، ولم نسمع أحداً من الفنانين تغنى بال»واتساب» أو أي وسيلة تواصل أخرى!! فهل أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في قتل تلك العواطف المتدفقة، وذلك الشوق والحنين الذي كان يدفع الشاعر والفنان إلى الإبداع في وصف الحنين والشغف بلقاء الأحبة والأقرباء، والأصدقاء؟! وربما أسهمت وسائل التواصل الرقمية الحديثة المختلفة، وذلك الزخم الهائل من الرسائل السريعة بالكلمة والصوت والصورة في قتل الوصف العاطفي لدى الشعراء حول ما كان يسمى في زمن البريد العشق والشوق والحنين المادي، من خلال تسلم الرسالة المعطرة بأنفاس الأحبة، إلا أن الحنين والشوق إلى التواصل الرقمي أصبح باهتاً، بسبب ذلك التشبع السيكولوجي.