الدراسات العليا مطلب لمن يمزج فكره بجمال تفصيلاتها، ولمن يتوق للعيش في ساحاتها المعززة للبحث والتقصي، والقريب من الدراسات العليا يشعر بمقدار الرفاهية الفكرية التي يعايشها طالب تلك المرحلة؛ فهو يعيش سعة العلم، ورغد التعلم، وكرم التعليم. هذه الرفاهية تُنشئ «كاريزما بحثية»، تتولد منها بحوث مميزة وقيمة علمية مضافة. الشخصية الكاريزمية أو ما يعرف بسحر الشخصية؛ هي شخصية لها القدرة على جذب الانتباه والتأثير الإيجابي في الآخرين، ولذلك صاحب الكاريزما البحثية له إطلالة ذكية وحضور مبهر بما يملك من قدرات، وما يملك من مهارات القرن الواحد والعشرين، هذه المهارات منها الشخصية، والعلمية، والعملية، والاجتماعية. فالمهارات الشخصية تتركز في الثقافة العالية، والطموح، والمرونة الفكرية، والقوة في الطرح، والعطاء، والاتزان، والتوازن، والثقة بما منحنا الله من ميزات. والمهارات العملية تتمثل في الدقة، وسرعة الإنجاز، والعمل بتقنيات العصر والتحول الرقمي. والمهارات العلمية منها التعلم المستمر، وحداثة المعلومة، ومتلازمة التوجهات الحديثة، والتفكير بمزيج من أنواعه التأملي، والناقد، والإبداعي. والمهارات الاجتماعية منها القدرة على التواصل والحوار، والتأثير باللغة المنطوقة ولغة الجسد، والتعاون والتشارك. كل تلك المهارات تمكن صاحب تلك الكاريزما من التأثير في محيطه، وهذا ما ينشده المجتمع البحثي، للحاجة إلى بحوث قوية، تحمل أفكارا جديدة، تسهم في تقدم العلم. فالباحث ذو الكاريزما البحثية قادر على التقاط صفات المؤثرين البحثيين، ودمجها مع مهاراته في مدة وجيزة، ولذلك يجب أن نطور الباحث الكاريزمي إن صح التعبير - بتدريبه بشكل مكثف لينطلق في أفق واسع، يؤصل لمبادئ بحثية جميلة، ويكون داعية للمجال البحثي، ومدربا محترفا، وأنموذجا للباحث المؤثر، وواجهة مشرقة للبحث العلمي. بقي أن نقول: من سيبحث عن الباحث الكاريزمي؟ ومن سيطور مهاراته؟ ومن سيتبنى فكره؟ ومن سيشركه في الصنعة البحثية؟ فالمرحلة الراهنة التي تعيشها المملكة تريد إبداعا بحثيا، ولكن الخيار يبقى في يد القادرين في مجال البحث العلمي!