أن تكون ذكراً فذلك تقسيم إلهي على نوعين من البشر.. لكن أن تُعطى فوق ذلك صفات الرجولة الحقيقية فأنت هنا قد تجاوزت إلى أن تكون في محل المكتسبات الإنسانية الإيجابية الرائعة.. ومتى ما سخّر الله لك فوق تلك الصفتين خاصية الحكمة فأنت أسطورة، لأن الحكمة هي الألماسة التي تصنع القمة لشخصية الرجل وتجعله متميزاً عن معظم البشر.. وحين يمتزج مع كل ذلك حُسن القيادة فالشخصية هنا تعبّر عن نموذج نادراً ما يتكرر. بعد التوطئة أعلاه أشدد على أنه ليس من عادتي أن أمدح أو أهجو.. لكن يأخذك القلم في مرات قليلة إلى أبعاد تستحق أن تعطيها حقها، وهنا أحدها حينما وقفت على شخصية مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي الذي يحمل الصفات أعلاه ليجمع المجد من أطرافه بإضافة خاصية البيت الثري السياسي العريق.. مكتسباً منه مهارات السياسة والخبرة البرلمانية في العمل السياسي والبرلماني، لذا لم يكن بحاجة أحد، فعقله وصفاته القيادية واستغناؤه المادي تكفيه.. ليكون قراره دائماً نابعاً من مصداقية يبثها له وجدانه، ولا غرو حينها أن يكون أصغر رئيس لمجلس الأمة الكويتي الذي تأسس عام 1962 ليضيف إلى أفضلياته واحدة أخرى. هنا لسنا بصدد استعراض تاريخه البرلماني أو ماذا كانت عليه أسرته وأجداده من مجد في كلا الاتجاهين.. ما يهمنا الثبات الذي هو عليه والمواقف الراسخة سياسياً واقتصادياً وولاؤه لمحيطه الخليجي في زمن تقافز المتلونين والعابثين بأمن الخليج ومقدراته وتحالفوا مع أعدائه ضده.. إلا أن مرزوق الغانم كان مثالاً للحكيم العاقل الشريف الذي لا يتراخى أو يهادن في قضايا وطنه وخليجه وأمته. هنا ورغم المواقف الكبيرة في قيمتها، الكثيرة في عددها وتأثيرها للغانم، إلا أنني سأستعرض موقفين اثنين؛ أولهما عندما ألجم رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني حينما خرج غيه على لسانه ليتكلم عن السعودية بما ليس لائقاً ولا صادقاً "يناير 2016 - بغداد".. وسط صمت المقابر من لدن العرب الحاضرين ليتصدى الغانم له ويقول كلمته الشهيرة: "إذا كانت المملكة غير موجودة في هذا الاجتماع فأنا شخصيًا والوفد الكويتي نمثل المملكة العربية السعودية"، ليلجمه بالحقائق، مكذباً ادعاءاته.. والموقف الثاني في الجلسة الختامية لاتحاد البرلمان الدولي في مدينة سان بطرسبرغ "أكتوبر 2017" حينما وقف بكل شجاعة ليجابه وفد إسرائيل بأفعالهم القبيحة ويطالب بطردهم، وهو ما تحقق بانسحابهم من المؤتمر. الأهم في القول أن مرزوق الغانم شخصية وطنية وفية لدينها ولبلدها ولبعدها الخليجي، ندعو الله أن يوفقه ويكثّر من أمثاله ليواصل مسيرته في مجابهة العابثين الكاذبين ويعينه على المتربصين، فهنيئاً للكويت ولخليجنا ولنا بهذا الابن البار.. ذلك الذي رفع من قيمة البرلماني العربي بعدما أعياه بعض العرب المتخاذلين الموالين لغير بلدهم.. بل لمصالحهم وأوليائهم في دول غير بعيدة؟!