مما لا شك فيه أن خلط الأوراق وتعميق الاستقطاب في الشرق الأوسط يسيران على قدم وساق، وذلك وفق خطط استراتيجية تهدف إلى إلحاق أكبر ضرر بدول وشعوب المنطقة من أجل ضمان تخلفها وضمان فشلها، وهذا مبني على مجموعة متكاملة من خطط الاستهداف الذي يدرج من الاستهداف الإعلامي المبني على تضخيم التهم من أجل إقناع الرأي العام العالمي من خلال الضرب على وتيرة الإسلام فوبيا والاتهام بالتشدد وتوليد الإرهاب ومعاداة السامية، وهذا مصحوب بالعمل على خلق بؤر خلاف سياسي وأيدولوجي وعقدي وحدودي وتوسعي معزز بسباق تسلح وخلق محاور استقطاب وقبل ذلك وبعده خلخلة الجبهة الداخلية وضرب العمق الاستراتيجي للدولة أو الدول المستهدفة لأن هذا يضمن الاستفراد بالضحية. وإذا أخذنا منطقة الشرق الأوسط كنموذج نجد أن خلق الدولة الفاشلة قد نجح في العراق وسورية وليبيا واليمن وفي نفس الوقت يتم إشغال مصر والسودان بالمشكلات الداخلية، وهذه الدول هي التي تمثل العمق الاستراتيجي لدول الخليج. كما أن ذلك مصحوب بغض الطرف عن التسلح الإيراني وترك الحبل على الغارب لإيران للتدخل في دول الجوار، كما هو حادث الآن، حتى أنها أصبحت تتبجح بأنها تحتل أربع عواصم عربية. ولم يقف مشروع تفكيك اللحمة العربية والإسلامية عند هذا الحد؛ بل تم استخدام الإخوان المسلمين كورقة لتعميق الخلاف بين أطراف دول المجتمع السني، وقد اكتوى بهذا التوجه كل من مصر ودول الخليج وغيرها، والآن يتم النفخ بقضية مقتل جمال خاشقجي وتزعمت بعض وسائل الإعلام الغربية هذا الردح غير المقبول ضد المملكة، والذي تم خلاله تناسي أحداث كبرى مثل قتل الشعب السوري وتشتيت الشعب الليبي ودمار العراق وانقلاب الحوثيين على الشرعية في اليمن، وما سببوه من خراب ناهيك عن الغطرسة الإسرائيلية، ليس هذا وحسب، بل تم التغاضي عن التطهير العرقي في مينمار، وكل ذلك تم تجاهله من تلك الأطراف ومن قبل قناة نظام الحمدين ومن قبل اللوبيات التي تقتات على الدعم القطري، وأصبح شغلهم الشاغل استهداف السعودية. وهنا لا بد من أن نلقي بشيء من اللوم على إعلامنا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لقلة انتشاره، مع أن المملكة لديها كل المؤهلات التي تجعلها تملك أكبر عجلة إعلامية في العالم من حيث الانتشار والمصداقية والشفافية والمهنية والإقناع. نعم المملكة تخوض غمار معارك إيجابية متزامنة وفاصلة لتحقيق رؤية 2030 التي تتضمن تعدد مصادر الدخل والانفتاح ومحاربة الفساد والشفافية وبناء القدرات العسكرية الرادعة للوقوف في وجه التمدد الإيراني، وكل ذلك مدعوم بالحزم والعزم، إلا أننا يجب أن نتذكر أن ذلك الحراك الميمون يزعج أطرافاً عديدة لا تتمنى لنا التقدم والرخاء، لذلك تسعى من خلال التآمر والدسائس والتحريض وخلط الأوراق وتأزيم الخلاف وخلق أعداء جدد وتفكيك العمق الاستراتيجي والعمل على إحداث استقطاب في المنطقة تمهيداً لخلق تصادم الخاسر فيه طرفا الصدام، أما الآخر فسوف يقف متفرجاً يمد الطرفين بالسلاح من أجل استمرار الصدام، وبالتالي استمرار التمتع بعوائد صناعاته الحربية التي لا تنتعش إلا في الظروف الاستثنائية التي إن لم توجد فإنها تخلق.