منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001م) بل منذ قيام الثورة الإيرانية عام (1979م) واحتجاز طاقم السفارة الأمريكية في طهران، تركزت البحوث والدراسات الغربية، وخصوصاً الأمريكية على الإسلام كدين وما يتصل به من أتباع، وما يتفرع عن ذلك من مكونات سواء أكانت طوائف ومذاهب أم أعراقا وأحزابا أم حركات سياسية أم دينية، ناهيك عن تتبع نشاطات المسلمين في كل من أوروبا وأمريكا. نعم إنه نداء الحق من زعيم عروبي مسلم أدرك ويدرك المخاطر والمنزلقات التي تتعرض لها مصر الشقيقة وقد وضع النقاط على الحروف وعلى الجميع الاستجابة لهذا النداء الصادق الصادر من القلب والذي يجب أن يكون مستقره القلب والعقل والفكر وقد ظهرت بعض تلك الدراسات والبحوث على شكل كتب أو مقالات أو تقارير منشورة، وأخرى سرية لا يملك الاطلاع عليها إلا من أعدها أو استفاد منها مثل وكالات المخابرات وأصحاب القرار السياسي والأمني، ولهذا نستطيع أن نقول إن ما يحدث على الساحة العربية، ربما لا يعدو انعكاسا لما تم التوصل إليه من قرارات مبنية على نتائج تلك الدراسات والبحوث، ومن ذلك خارطة الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن والتي يتم تنفيذها بأسلوب النفس الطويل والتدرج، وما الربيع (الخريف) العربي إلا امتداد لما حدث قبلها وجذر لها مثل ظهور تنظيم القاعدة واحتلال العراق وأفغانستان ودعم انفصال جنوب السودان واستمرار الحرب في الصومال وغض الطرف عن التسلح الإيراني، وتسليم العراق للنفوذ الإيراني على طبق من ذهب وهلم جراً. إن القوى المعادية للعروبة والإسلام تحارب الإرهاب ظاهرياً وتدعمه وتنشره باطنياً، فهو يدير البلاد الإسلامية ولا يمس إسرائيل وإن حدث في بعض الدول الغربية فهو جزء من التبرير وجزء من تعبئة الرأي العام هناك وإعداده لما هو قادم. إن ما يحدث في ليبيا وفي سورية وفي اليمن وما يحدث اليوم في مصر ليس وليد اللحظة، بل هو وليد عدة أمور متراكمة أعد له بإحكام من خلال استغلال معاناة تلك الشعوب من الدكتاتورية والفقر والتهميش والبطالة والفساد والمحسوبية وعدم استطلاع الرأي العام والاستجابة لمطالبه، ناهيك عن النزعة الفردية في اتخاذ القرار المبني على الإدارية اليومية دون خطط استراتيجية أو استقصاء أو متابعة، ما مكن من استغلال الثغرات الأمنية والاقتصادية والطائفية والطموحات السياسية والعرقية وحتى الإجرامية للتجنيد لتفكيك الوحدة الوطنية في البلدان المستهدفة. وإذا أخذنا مصر كأنموذج نجد أن ما يحدث الآن تم التخطيط له وإعداد سيناريوهاته منذ أمد بعيد فزرع الإرهاب ومحاولة إثارة الفتنية بين المسلمين والأقباط والتجاوزات الأمنية لم تكن وليدة اللحظة. إلا أن مصر ليست كغيرها من البلدان، فهي أمة قد تمرض ولكنها في كل مرة تنهض أقوى مما كانت بعد أن تعيد ولادة نفسها من جديد، وهذا الأمر ينعكس عليها وعلى الدول العربية والإسلامية خصوصاً المجاورة لها، ولهذا تظل مصر ملء السمع والبصر في كل الأحوال. وتحت الظروف الاستثنائية التي تمر بها دول المنطقة والناتجة عن خلط الأوراق في العالم العربي والتهديد الإيراني والإسرائيلي وما يجمعهما من كراهية للعرب، بالإضافة إلى التآمر الدولي المناصر لهما ولأطماعهما ودورهما التخريبي، لا يسع الدول العربية المستقرة مثل المملكة ودول الخليج العربية إلا السعي من أجل حماية استقرارها وأمنها ومكتسباتها وأراضيها وشعوبها، وهذا يحتم عدم السماح بنشوء حكومات معادية لها تزيد الطين بلة، وهذا يعكس موقف المملكة ودول الخليج من الأحداث الأخيرة في مصر وغيرها من بلدان الربيع (الخريف) العربي حيث سبق أن وقفت المملكة ودول الخليج مع اليمن وهي تقف اليوم مع الشعب السوري حتى ينال حريته. نعم إن مصر تمثل العمق الاستراتيجي للمملكة ودول الخليج، ومصر لها أهمية بالغة من هذه الناحية، وقد ثبتت أهمية ذلك عبر مراحل التاريخ القديم والحديث سواء أكان ذلك من خلال حروب صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين، أو وقف زحف التتار وهزيمتهم أو في محاربة الاستعمار في العصر الحديث، فمصر مركز الثقل العربي والإسلامي حيث يوجد الأزهر منذ أكثر من ألف عام وهو منبع كثير من المفكرين والرواد على مر العصور والأزمان. من هذه المنطلقات وغيرها شدد خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - على وقوف المملكة حكومة وشعباً مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة والإرهاب، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، كما أكد على حق مصر الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس، وأكد أيضاً على استنكار المملكة للتدخل الخاريجي ومحاولته إيقاد نار الفتنة وتأييد الإرهاب الذي تم إدعاء محاربته من قبل تلك الأطراف، ثم أوضح على لسانه ولسان الأمة من خلفه أن الأحداث التي تشهدها مصر الشقيقة لا تسر إلا كل عدو وكاره لاستقرار وأمن مصر وشعبها وأنها تؤلم في نفس الوقت كل محب لمصر حريص على ثبات ووحدة صفها وكلمتها التي تتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة - إن شاء الله - لضرب وحدة واستقرار مصر العروبة والإسلام من قبل كل جاهل أو غافل أو متعب يساند ما يحكيه الأعداء. وبعد ذك وجه نداءه لرجالات مصر والأمنتين العربية والإسلامية الشرفاء من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم، أن يقفوا وقفة رجل واحد وقلب واحد في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة مثل مصر لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء، وأهاب بهم ألاّ يقفوا صامتين، غير آبهين لما يحدث، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ثم أضاف - حفظه الله- قائلاً: ليعلم العالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية شعباً وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة وضد كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية أو يصطاد في الماء العكر، كما وجه نداءه إلى الأطراف التي تتدخل في الشأن المصري بأن تكف عن التدخل وأن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان، لأن مصر الإسلام والعروبة والتاريخ المجيد، لن يغيرها قول أو موقف هذا وذاك، وأنها قادرة بحول الله وقوته على العبور إلى بر الأمان. يومها سيدرك هؤلاء بأنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم. نعم إنه نداء الحق من زعيم عروبي مسلم أدرك ويدرك المخاطر والمنزلقات التي تتعرض لها مصر الشقيقة وقد وضع النقاط على الحروف وعلى الجميع الاستجابة لهذا النداء الصادق الصادر من القلب والذي يجب أن يكون مستقره القلب والعقل والفكر حتى يؤتي ثماره راجين من الله العلي القدين أن يجنب مصر وسائر بلاد العرب والمسلمين منزلقات الفتنة والاقتتال التي يحاول الأعداء إشعالها وخلط أوراقها بحيث يختلط الحابل بالنابل ما يؤدي إلى أن يتولى السلطة كل جاهل أو أحمق أو انتهازي وبذلك يضيع الناس وتضيع البوصلة كما قال الشاعر: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهّالهم سادوا حفظه الله مصر آمنة مطمنئة مؤزرة بوحدة أهلها وصمودها منتصرة على كل حاقد ومضل وحقود.. ولنردد مع شاعر النيل حافظ إبراهيم قصيدة مصر تتحدث عن نفسها: وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبني قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عن التحدي فترابي تبر ونهري فرات وسمائي مصقولة كالفرند ورجالي لو أنصفوهم لسادوا من كهول ملء العيون ومرد أنا إن قدر لله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي ما رماني رام وراح سليماً من قديم عناية الله جندي كم بغت دولة علي، وجارت ثم زالت، وتلك عقبى التعدي وتماثلت للشفاء وقد دانيت حيني، وهيأ القوم لحدي بعد ذلك أشار إلى المطامع الخارجية وأهمية وحدة الكلمة والصف فقال: إن في الغرب أعيناً راصدات كحّلتها الأطماع فيكم بسهد فوقها مجهر يريها خفاياكم ويطوي شعاعه كل بعدي فاتقوها بجنة من وئام غير رث العُرا، وسعي، وكدّ واصفحوا عن هنات من كان منكم رب هانٍ هفا على غير عمد نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء فيه وعثرة الرأي تردي ونعير الأهواء حرباً عواناً من خلاف والخلف كالسل يعدي ونثير الفوضى على جانبيه فيعيد الجهول فيها ويبدي ويظن الغويّ أن لا نظام ويقول القوي قد جد جدي فقفوا فيه وقفة الحزم وارموا جانبيه بعزمة المستعدّ إننا عند فجر ليل طويل قد قطعناه بين سهد ووجدي غمرتنا سود الأهاويل فيه والأماني بين جزر ومد فاستبينوا قصد السبيل وجدّوا فالمعالي مخطوبة للمجدّ وتواصوا بالصبر فالصبر إن فارق قوماً فما له من مسدّ إن الصبر والوعي والحذر والإدراك وتقصي الحقائق والشفافية ومتابعة الرأي العام والاستجابة لمتطلباته والتحزم بقوة النظام لحماية العدل أهم وسائل الحماية من التدخلات الخارجية وهي من وسائل سد باب الذريعة التي يتحزم بها كل معارض أو متربص أو متآمر أو عميل في كل زمان ومكان عبر التاريخ، وما الربيع العربي إلا واحد من الشواهد التي مكنت أطرافا عديدة من محاولة تنفيذ أجندتها في غياب النظام واستشراء عدم الاستقرار ما مكن القوى الخارجية والقوى المتربصة على اختلاف توجهاتها من التدخل في معركة اختلط فيها الحابل بالنابل، والمخلص بالمأجور والعميل بالمناضل والصادق بالكاذب والمؤمن بالكافر والواعي بالجاهل، وكل يغني على ليلاه.. كفانا الله شر الفوضى وأدام علينا نعمة الاستقرار وأعاد الوئام والوفاق إلى كل بقعة من ديار العرب والمسلمين وأدام الله السلم العالمي لما فيه مصلحة الإنسانية جمعاء.. والله المستعان.