ما أكثر الذين أغفلهم التاريخ مع أنهم غيروا مجراه، وما أكثر الذين ذكرهم التاريخ مع أنهم لم يقدموا الكثير الذي يستحقون عليه الخلود التاريخي.. فهذا مثلاً زيد بن الخطاب وهو أخو عمر أكبر منه سناً وسبقه بالإسلام، وقف في معركة اليمامة بعد أن كاد ينهزم المسلمون وحفر حفرة بنفسه ودفن رجليه وثبت يجالد بسيفه وكان ينادي: يا صحابة رسول الله أيها المهاجرون والأنصار، والله إن هزمنا اليوم فلن تقوم للإسلام قائمة، وظل يقاتل إلى أن قتل، وانتصر المسلمون.. وحينما خرج عمر من المدينة يستقبل الجيش الإسلامي أخذ ينتظر ويتلفّت لكي يرى زيداً فلم يره فعلم أنه استشهد فحزن عليه حزناً شديداً وكان يقول: والله ما هبت ريح الصبا إلا شممت منها رائحة زيد!! لأن ريح الصبا تأتي من قِبَلِ نجد، وحينها دخل الشاعر متمم بن نويرة على عمر رضي الله عنه يطلب دية أخيه مالك، الذي قتله خالد بن الوليد في حروب الردة حيث يزعم متمم أن مالكاً لم يرتد وأن خالداً استعجل في قتله، فأكثر متمم المراثي في أخيه، ومما قاله: لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتَذراف الدموع السوافكِ فقال: أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى والدكادك؟ فقلت له: إن الشجا يبعث الشجا ذروني، فهذا كله قبر مالك ولقد سأله عمر عن أعظم وجد وجده على أخيه فقال: يا أمير المؤمنين ولدت أعور فلما قتل مالك دمعت عيني العوراء! فبكى عمر فقال متمم ماذا يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله لو مات أخي ميتة أخيك زيد ما رثيته فقال عمر رضي الله عنه: ما أحد عزّاني في أخي كما عزيتني يا متمم.