(اختيار الرجل جزء من عقله..) كما يقول الأقدمون.. ونضيف (ودليل على ذوقه).. فإن العقل يختار ماينفع الذوق ومايُمتع.. فإذا اجتمع الإمتاع مع الفائدة حَسُنَ الاختيار وجاد.. والمقصود بالنفع هنا (دَفْعُ الضّرر أولاً) فلا يختار العاقل مافيه ضرر بالأخلاق، أو ينافي الدين الحنيف، أو ينم عن إسفاف وانحطاط.. ولا يعني هذا الاقتصار على شعر الحكمة بل يشمل كل شعر جميل سليم.. والذوق الراقي يميل بطبعه إلى الشعر البليغ المؤثر الذي يكشف خفايا النفس البشرية، ويُجسِّد العواطف المشتركة بين الناس في مختلف المواقف كالحب والحرب والحزن والرثاء والفخر والحكمة الحارة النابضة بالحياة المنتفضة بالشعور.. وليست الحكمة الباردة المصفوفة على شكل مواعظ.. وفي مكتبتنا العربية والشعبية العديد من كتب المختارات المتميزة، التي تدل على عقل فطِن، وذوق سليم ، منها على سبيل المثال (حماسة أبي تمام، حماسة البحتري، المفضليات، المعلقات العشر، جمهرة أشعار العرب، ديوان المعاني، حماسة ابن الشجري، مختارات البارودي، مختارات العقاد بعنوان، عرائس وشياطين).. و غيرها كثير في مكتبة التراث العامرة.. ومن كتب المختارات في شعرنا الشعبي (روائع من الشعر النبطي) للشاعر المشهور لويحان التميمي، ومختارات منديل الفهد، والكتاب الجامع (الشوارد) لابن الخميس 3 أجزاء الأول والثاني من الشعر الفصيح والثالث من الشعر الشعبي، والزهور النادية من أشعار البادية، وخيار ماُ يلتقط من الشعر النبط لعبدالله بن خالد الحاتم، وهو الذي نريد اقتباس بعض ماورد فيه، ونُضيف إليه جزءا من مختارات الشاعر الكبير أبي تمام الطائي (188-231 ه) في (ديوان الحماسة) في حدود 400 بيت من روائع الشعر وكلاهما في جزئين، وخدما شعرنا الفصيح والشعبي بشكل كبير.. وسُميت (مختارات أبي تمام) بالحماسة من باب التغليب، لأن أول باب فيها عن الحماسة، ويليه فنون الشعر الأخرى كالنسيب والرثاء والهجاء والوصف والمدح وغيرها من أغراض الشعر، ومن التوفيق أن يختار لنا شاعر مبدع أروع القصائد والمقطوعات، ولهذا وجد الكتاب حماسة بالغة من الأدباء فحُقِّق وشُرح مراراً وطُبع عشرات المرات وقرأه ملايين العرب على مرّ العصور، وهو من أفضل المختارات في إمتاع الذوق السليم، وتعويد اللسان على الفصاحة والبلاغة، وجعل الشعر مُحبّباً للأجيال.. أما الأديب والشاعر عبدالله بن خالد الحاتم (ولد وتوفي في الكويت 1916-1995) فقد أسدى خدمة جليلة للشعر الشعبي بجمعه من مختلف مصادره، بما في ذلك المشافهة، في كتابه الشهير (خيار ما يُلتقط من شعر النبط) وكتابه الآخر (عيون من الشعر النبطي) ويمتاز الأول بشموله عدداً كبيرا جداً من الشعراء الشعبيين الكبار، وبعضهم قديم مثل (عرار بن شهوان آل ضيغم مات سنة (850 ه) كما أنه يترجم لكثير من الشعراء قبل أن يُقدّم قصائدهم.. وبالمجمل فقد خدم الحاتم مأثورنا الشعري خدمة جليلة وحفظه لنا في وقت مبكر وقام بنشره بجهود ذاتية ثم أقبل الناس عليه فأعاد طباعته مراراً .. والآن نختار ماتيسر من الكتابين، وحسبنا الإشارة إليهما كمرجعين لمحبّي الشعر الأصلي: قَوْمِي هُمُ قَتَلُوا أُمَيم أخِي فإذا رمَيْتُ يُصيبني سَهْمي فلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَللاً ولَئِنْ سَطَوتُ لأُوهِنَنْ عَظْمِي الحارثُ بن وَعْلَةَ الجَرْمِي ألا حييّ ليلى وأطلالها ورملة ريّا وأجبالها وأنعم بما أرسلت بالها ونال التحية من نالها عبيد الطائي باتت تلوم وتلحاني على خلق عُوّدته عَادَة والجود تعويدُ (..) لَقَدْ لاَمَنِي عِنْدَ الْقُبُورِ عَلى البُكا رَفِيقي لِتَذْرَافِ الدُّمُوعِ السَّوَافِكِ فَقالَ أتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأيْتَهُ لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى فَالدَّكَادِكِ؟ فُقُلْتُ لَهُ إنَّ الشَّجَا يَبعَثُ الشَّجا فَدَعْني فَهَذَا كُلُّهُ قَبْرُ مالِكِ متمم بن نويره بيني وبين صويحبي وقفة احوال يامن يدير الصلح بينه وبيني اعطيه ماتملك يميني من المال واجعل مقرّه بي جفني وعيني محسن الهزاني دنيا تفيض ايامها وشهورها واسنينها تسقي الرجال امرورها لا خير في دنيا صفاها ساعة عقْبٍ اتبدل ماصفا بكدورها رميزان التميمي ياذيب وإن جتك الغنم في مفاليك فاكمن الين إن الرعايا تعداك من أول ياذيب تفرس بأياديك واليوم جا ذيب عن الفَرْس عداك يا ذيب عاهدني وأعاهدك مارميك مرميك أنا يا ذيب لو زان مرماك الشريف بركات زهت الديار بحسنها وجمالها واستبشرت بالعز روس ارجالها وابها القلوب جد اطمأنت بعدا كثرت وشاة السوء في نزالها والغيث جاوبه الحقوق وجردة فيها مباكير السحاب أذيالها وادرست بأمر الله بعد التزلزل وطابت معيشتها وزان اظلالها الكليف عبدالله الحاتم