هل يرتبط الإبداع وخاصة الإبداع الشعري والفني بالجنون؟! غالباً لا نجد حديثاً يتطرق إلى الجنون أو الاكتئاب عند مبدعينا الشعراء، ولكن عند العودة إلى الذاكرة الثقافية العربية، نجد إشارات كثيرة إلى وادي عبقر أو وادي الجن الذي كان يعتقد بأنه يلهم الشعراء. ونجد بعض المبدعين الذين أصابهم مس من الجنون، مثل الشاعر قيس بن الملوح "مجنون ليلى" الذي يتحدث مع قلبه فيقول: ألست وعدتني ياقلب أني إذا ما تبت عن ليلى تتوب فها أنا تائب عن حب ليلى فما لك كلما ذكرت تذوب وهناك الكاتبة المبدعة مي زيادة التي انتهت حياتها الأدبية بإيداعها في مستشفى الأمراض النفسية، وأما الكاتبة ملك حفني ناصف "باحثة الصحراء" فقد أصيبت بحالة من الاضطراب العصبي والنفسي. ويؤكد الطب النفسي وجود علاقة بين الإبداع والجنون، وخاصة الإبداع الأدبي "الشعري"، حيث إن بعض المبدعين يميلون غالباً إلى العزلة، ولا يخضعون للعادات والتقاليد التي يمارسها الناس، ويكون لهم بعض التصرفات الغريبة. وقد كتب بعض الباحثين عن مجموعة من أعظم الأدباء والفلاسفة مثل سقراط وباسكال وغيرهما، وقالوا: إن المبدع "العبقري" شخص كأن به مساً من جنون وغرابة أطوار. وامتدح ميشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي بعض المبدعين الذين أصيبوا بالجنون أو الاكتئاب في كتابه "الجنون في العصر الكلاسيكي"، وذكر فيه جنون الشاعرين هولدرلين وجيرار دونيرفال، بالإضافة إلى الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه الذي ازدادت حدة جنونه مع تفاقم تطرف أفكاره.. وهناك جنون الرسام الهولندي المشهور فان جوخ الذي أدخل إلى مصحة عقلية. وعندما سئل الكاتب الفرنسي أندريه موروا: هل صحيح أن المبدعين مجانين؟! أجاب: الأصح أن نقول إنهم كانوا سيصبحون مجانين، لولا أنهم أصبحوا مبدعين. إن سيرة وحياة الشاعر قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى تشير إلى أن هناك خيطاً رفيعاً بين الإبداع "الشعري" والجنون. ولقد أورث الحب جنوناً إلى ذلك الشاعر فجعله يبدع أشعاراً رائعة تستحق التأمل. وربما تفتح سيرته الشعرية والحياتية المجال أمام الباحثين لمعرفة إمكانية ارتباط الإبداع والجنون. ربما يكون ذلك الارتباط شيئاً لا يرفضه المبدع، رغبة منه بالتحليق في فضاء الإبداع!! ومن المحتمل أن يكون هذا الجنون مؤقتاً، ليعود المبدع إلى دائرة الأصحاء، الذين يسيطرون على مشاعرهم دون الدخول إلى بوابة الجنون!!