أمام أطلال الطريف في الدرعية التاريخية وفي مساء تاريخي حاضر الهيبة جمع عدة مناسبات مهمة هي اجتماع قمة مجلس التعاون الخليجي ومرور خمسمائة وتسعين عاماً على تأسيس الدرعية والذكرى الرابعة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، جاء تدشين مشروع الطريف التاريخي الذي رعاه فكرة وإشرافاً وتنفيذاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز طيلة مدة تجاوزت العقدين. جلس الملك سلمان الشامخ بوعيه وأفعاله وحكمته ذلك المساء أمام الأطلال وهي شامخة وكأنها تقدم له - يحفظه الله- الشكر والثناء على اهتمامه بها والمحافظة عليها. وعندما انطلقت حوربة العرضة السعودية (العرضة النجدية) وارتفع الصوت بالقصيد الضارب في عمق التاريخ الوطني بادر الملك سلمان بالمشاركة منذ بدايتها على خلاف ما كان يحدث سابقاً احتفاء بالوطن والتاريخ ثم قبل الراية السعودية والدمع يتلألأ في عينيه. فلماذا هذه الدمعة؟ دمعة الملك؟ التي تتكرر في مناسبات الوطن! إنها المشاعر من شخصية تصنع التاريخ وتقرؤه وتدرك معانيه وتتأثر به. إنها الإعلان عن الشكر للمولى على نعمه على المملكة العربية السعودية وعلى شعبها، إنها الفرحة بالوطن وإنجازاته الراسخة وتلاحم مواطنيه في وحدته المميزة والقوية، إنها الوفاء لأولئك من الأئمة والملوك وأبناء وبنات الشعب السعودي الذي نحن امتداد له اليوم، إنها التقدير الواعي للتراث الذي تركه الآباء والأجداد في إبداعاتهم المتنوعة في كل مجال، إنها أيضاً ومع ما مضى درس حقيقي في التاريخ الوطني لنا أبناء الوطن وللعالم، هذا الدرس يتمثل في أحداث التاريخ وما تعنيه من نتائج وامتدادات، فمنذ اللحظة التي غادر فيها الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود الدرعية منذ أكثر من مائتي عام رقص الأعداء باختفاء وهج الدولة السعودية وفرحوا بذلك سواء في الغرب أو فارس أو الدولة العثمانية معتقدين أن تلك نهاية الدولة التي قامت على أسس ذاتية وأهداف نبيلة وقيم راسخة في الدين الصحيح، وعلى يد أسرة مالكة وحاكمة تمتد في الجذور إلى ما قبل الإسلام وفي تأسيس الدول ونشر الاستقرار في قلب الجزيرة العربية. سقطت توقعاتهم لجهلهم بحقيقة أسرة آل سعود والمجتمع السعودي ومبادئ الدولة التي أسسوها ومعهم السكان والأهالي الذين بذلوا أنفسهم وما يملكون من أجلها، سقطت آمالهم الملتفة بمصالح ضيقة وإن كان بعضها يختفي وراء مصلحة المسلمين وهي مزيفة وغير حقيقية والشاهد على ذلك آثار تلك الدول التي خلفت الاستعمار والتخلف ونشرت بذور الانقسام والطائفية، وظهرت أمامهم تجربة فريدة في التاريخ بعودة الدولة السعودية مرة ثانية ومرة ثالثة انغمست فيها جذور الأسرة المالكة ومحوريتها للدولة الموحدة وأبناء المنطقة يرفعون بناءها معهم مسطرين بذلك حقيقة تاريخية تميز بها السعوديون. وهذه الدولة السعودية تعود إلى أكثر من مائتي عام قبل الإسلام ثم أحياها مانع المريدي قبل عام 590 في الدرعية وأرساها الإمام محمد بن سعود في الدولة الأولى ذات النفوذ الواسع، وأعاد مجدها الإمام تركي بن عبدالله في الدولة الثانية ثم أعاد تأسيسها الملك عبدالعزيز في طورها الثالث باسم المملكة العربية السعودية. هذا النموذج التاريخي الشامخ القائم على مفهوم الوحدة الحقيقية التي لم يسبق أن تمت إلا في العهد النبوي على أرض الجزيرة العربية قاد إلى دمعة الملك ليقول للداخل تمسكوا بهذه الوحدة ومبادئها السامية التي تقوم على النقاء والوسطية واستمروا في العطاء وافخروا بأن لديكم دولة كهذه، وليقول للخارج إن هذه الدولة تعني الخير للجميع في أنحاء المعمورة لأنها قبلة المسلمين وموئل الإسلام ومبادئها موجهة للاستقرار والنماء والله حافظها لأجل ذلك وقادرة على مواجهة التحديات مهما كانت ولها صلابتها الممتدة في عمق حضاري متميز يكاد أن يكون وحيداً في العالم. وأخيراً إنها دمعة الملك التي تعلن التفاؤل بمستقبل مزدهر للوطن ولجيل الشباب اليوم في الوطن والدعوة لهم أن الصبر والعمل الدؤوب والتضحية والحكمة والتمسك بالوحدة والإرث تحقق الريادة التي رسم لها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الطريق بوعيه السلماني وفكره الإبداعي وعمله المتفاني وإدراكه للمستقبل وسعة أفقه الممتد ليشمل العرب والمسلمين باعتبار أن وطنه المملكة العربية السعودية هو قلب العالمين العربي والإسلامي ورؤيته رؤية 2030 خير للوطن وللعرب والمسلمين. حفظك الله يا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وحفظ الله سمو ولي عهدك والوطن والشعب وأدام عزكم وعز وطنكم وطننا المملكة العربية السعودية الذي بحق يستحق دموعكم كما استحق ويستحق وعيكم وإنجازكم واهتمامكم وحكمتكم وعزمكم وحزمكم وينتظر الكثير من عطائكم. *مستشار خادم الحرمين الشريفين المشرف العام على المركز الوطني للوثائق والمحفوظات والأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز د. فهد بن عبدالله السماري*