أشار الأستاذ الدكتور عبدالله الفلاح، الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب في الرس، بأن كتاب الفسر «فاتحة الشروح التي وضعها القدماء على ديوان المتنبي، وأعظمها قيمة وأجلها قدرًا»؛ وذلك لأن ابن جني صحب المتنبي وروى عنه شعره، وطارحه في كثير من المسائل، خاصة ما يتعلق باللغة والمعاني، لغرابة بعض التراكيب وغموض المعاني. جاء ذلك في محاضرةٍ بعنوان: «الفَسْر لابن جنّي بين النقد والتجنّي، الفتح على أبي الفتح أنموذجًا» ألقاها بمجلس حمد الجاسر الثقافي، وأدارها د. عبدالعزيز الحيدري. وأوضح المحاضر أنه اختار موضوع الفَسر لابن جني لأسباب عديدة؛ أهمها: أنه منذ أن بدأ اتصاله بشعر المتنبي وشروحه لحَظ أن كتاب الفسر المحور الأساس الذي ينطلق منه أغلب شرَّاح الديوان، فما بين ناقل عنه بالتصريح باسمه، أو بإغفاله ، أو موجِّه النقد له أو ذاكرٍ لنقد أحد الشراح أو النقاد. ومن الأسباب أيضًا أنه لحَظ هجومًا عنيفًا على آراء ابن جني رحمه الله، فيما يحتمل أوجهًا عديدة، من قبل أغلب الشراح، واتهامهم له بأنه لا يحسن فهم المعاني ولا يهتدي إلى دقيقها. المحاضر ركز على أهمية كتاب الفسر وأثره في شروح ديوان المتنبي؛ حيث اعتمد الشراح عليه في شروحهم، فلا تكاد تجد أحدًا منهم استغنى عنه، وقد تبين ذلك من خلال النقل والموافقة أو النقد، ومن الحراك العلمي الذي دار حول الكتاب، وتمثل ذلك في نقده وتتبع هفواته خاصة في جانب المعاني. مستعرضاً أهم الشروح التي اتكأت على الفسر واتخذه مؤلفوها مصدرًا، ومن ثم وجهوا له نقدهم، ذاكرًا الكتب التي أفردها مؤلفوها لنقد الفسر، والرد عليه مثل «اللامع العزيزي» و«شرح الواحدي» و«الموضح للتبريزي» و«الصفوة في معاني شعر المتنبي وشرحه لأبي اليمن الكندي». كما تحدث عن الكتب المؤلفة في نقد كتاب الفسر؛ ومنها «تعليقات الوحيد سعد بن محمد الأزدي» (ت385ه)، و«قشر الفسر» للشيخ العميد أبي سهل محمد بن الحسن الزوزني (ت445ه). وأكد الدكتور الفلاح بأن أبا الفتح ليس معصومًا عن الخطإ والزلل، مشيرًا إلى أن ما ذكره من مواقف الشراح والنقاد لا يؤخذ على أنه تبرئة لابن جني، بل إن ابن جني بشر يصيب ويخطئ، لكن الإنصاف مطلوب، فما انتقد الشراح والنقاد على ابن جني سوى أبيات قليلة بالنظر إلى مجموع الأبيات التي شرحها، وأضاف: لقد حاولت أن أجد تفسيرًا لهذه الظاهرة عند الشراح والنقاد، وهل كان مردها أن ابن جني عالم باللغة والنحو بعيد عن الشعر ومعانيه، فهو لا يعرف من الشعر إلا اللغة والإعراب، أم أن هناك أسبابًا أخرى؟، موضحًأ بأن اتهامهم له بأنه لا يسبر غور المعاني ولا يُحسن فهمها اتهام باطل في مجمله، قد يصح في أبيات يسيرة، ولا يمكن تعميمه، خصوصًا إذا عرفنا أنهم اتكؤوا عليه في شروحهم، بل إذا اختلفوا في معنى من المعاني قد يرجِّحون شرح ابن جني، كما أنه يعد أول من ألف في كتب المعاني، وعنى به كتاب «الفسر الصغير» أو «الفتح الوهبي»، أو كما سماه ابن المستوفي «كتاب المعاني». واستشهد بما أشار إليه الأستاذ الدكتور عبد العزيز المانع أنه قد يكون سبب سخرية الزوزني بابن جني: أن شخصية الزوزني السياسية التي لا ترى عظيمًا إلا هي كما قال في شعره قد طغت على شخصيته الأدبية التي يعتقد بسببها دونيّة ابن جني العلمية مقابلة به. وأضاف سببًا ثالثًا؛ وهو أن المعاصرة لها دور في التجني عليه من قبل الوحيد الذي كان معاصرًا له. مختتمًا محاضرته بالقول: «ولعلي لا أبتعد كثيرًا إذا قلت: إن ابن جني سبق الشراح جميعًا لشرح شعر المتنبي، فأجاد وأفاد، ووجد من جاء بعده ألاّ مناص من الاستفادة منه، والأخذ بأغلب آرائه، فنفسوا عليه، لذلك ضخموا هذه المآخذ، وحادوا عن الطريقة المثلى في النقد.