هي الدنيا بطبيعتها المتقلبة، لا تستقر على حال. لم تصفُ لأحد، لا لنبي مرسل ولا لعبد مخلَص. لولا الظلام، ما كانت للنور ميزة، ولولا الشر ما كانت للخير قيمة. الخير والشر في صراع أزلي، فلا خير محضا على وجه البسيطة، ولا شر صرفا. فلا تعجب مما تراه، بل اعلم يقيناً أن بعد كل شر خير، بل حتى إن مع كل شر خير. إن ما يمرُ به وطني من أزمات متوالية، ليس سوى دليل على أنه يسير على الطريق الصحيح، وإنك لتستدل على مواطن الخير من وجهة سِهام الشر، وكلما كثُرت سهام الشر، تأكد وصف الخيرية، وكلما كانت سهام الشر تستهدف شيئاً بذاته، كان ذاك لب الخير وخالصه. لطالما كانت للمملكة العربية السعودية خطوات تقدمٍ جبارة في كل المجالات، ولكن خطواتها العظيمة في الآونة الأخيرة حركت حفيظة كل حاقد، وأججت غيرة كل حاسد، ولم يُفدْ حراك الحاقد، ولم تحرق النار سوى الحاسد. بعدها تربص الحاقد، وصفق الحاسد، فطال انتظار الأول، وكَلَّ كف الثاني. تسييس القضايا دأب الحاقد، ونهج الحاسد، ولكن هيهات هيهات لما يحلمون به. لا عَجب حينما يَعزِف حاقد على وتر الدِين والإنسانية، ثم يرفع عقيرته بالكذب والافتراء، أن يكون الناتج نشازاً، العجب أن تجد من يصدقه. ولا عَجب أن يَعزِف حاسد عن قول الحق، عندما يكون للشر بوق، ولطبول الحروب سوق، العجب أن تجد من يتبعه. عجِبت لمن يتغنى بحرية الشعوب، ويدفع مال شعبه ليقتل شعب غيره، أن يجد من يُعجب بذاك الغناء. وعجبت من ظمآن يرتجي لبناً من مصاص دماء، ومن بردان يرتجي سكناً عند من عهِد هدم كل بناء. وطني كلنا لك فداء، وكلنا لك وفاء. إن واجب المواطن تجاه وطنه، الوقوف معه-وإن كان وطنه جائراً شحيح العطاء، فكيف وأنت يا وطني الأب الراشد، والأم الحنون. بالبِر ننادي: كلنا لك أبناء. وطني لك أيدٍ بيضاء في كل زمان ومكان، ولك أياد فضل على كثير من الشعوب والحكومات، حِفظُ ذلك الجميل أو إنكاره مرهون بخُلقهم لا بحقيقة موقف الجميل. لا يغرنك تكالب من تكالب، ولا علوَ صوت من يصارخ؛ فعلى قدر الألم يكون الصراخ. لا يغرنك إنكار فضلك على من تفضلت عليه، فلا ينقص ذلك من قدرك، ولا يزيده إلا نقصاً. لا تستوي الأراضي في إقرار ما تجود به السماء! فالأرض الطيبة تُنبتُ، والأخرى تحفظ، والبعض لا علاقة لهم بذلك، والبعض كالبحار مِلحها أُجاج، لا يزيدها العذب إلا تأججا وتموجاً، وقد تعود بالفيضانات على الأرض ضرراً. لا عليك يا وطني، ليس الوضع الحالي بأكبر اختبار لثباتك، وليس ما يحاك هنا وهناك سوى ما يُقرّب الوطن للمواطن. إن كل صراخ ضدك يصطدم برجال وطن كالجبال، فلا يرجع لمن صرخ سوى أضعاف ما قاله، وإن استدعى الأمر كان جواب من صرخ صخراً. قد وعدَ ربي وعد صدق فقال: «إن مع العسر يسرا»، وكررها «إن مع العسر يسرا»، ونحن معك في العسر قبل اليسر، فدُمتَ يا وطني كما عهدناك في سبيلك ماضٍ، لا تلتفت لكل هاتف.