يتطلب سوق العمل في زمننا المتسارع نوعية مميزة من الخريجين المتصفين بقدرات إبداعية، ومهارات عالية، وثقافة واسعة، وتأهيل على أعلى مستوى، خصوصاً فيما يتعلق بتكنولوجيا العصر ووسائل التقنية والاتصالات. فالتعليم من أهم المنظومات التي تساعد على تلبية احتياجات وطموحات قطاعات سوق العمل المختلفة، ومستقبل أي دولة حول العالم تسعى إلى تحقيق معدلات متقدمة من التنمية والرفاهية والتحضر والسعادة. وبما أن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات غدت ثورة طاغية منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، فقد غزت شتى جوانب الحياة وقطاعات العمل والصناعة والاستثمار والعلم، وأصبح التطوّر التكنولوجي من أهم مقاييس تحضر الشعوب وتقدمها؛ لأن الحاجة كانت ملحة وحتمية لإدخال التكنولوجيا في جوهر أنظمة التعليم المختلفة، وأصبح هناك مفهوم جديد وتخصص معروف داخل الجامعات العالمية أُطلق عليه اسم "تكنولوجيا التّعليم". وبالنظر إلى طبيعة هذا التخصص وما ينبغي له القيام به وتحقيقه من أهداف داخل عالمنا العربي تحديداً، نجد أنه يعاني كثيراً المشكلات والمعوقات التي تفرّغه من مضمونه الحقيقي وتأثيره الاحترافي الخلاّق! وأمامنا أمثلة بسيطة توضح باختصار ما آلت إليه منظومة تكنولوجيا التعليم داخل بعض كليات التربية، وفي أقسام "تكنولوجيا التعليم" تحديداً؛ لنجدها أمرا جيدا في ظاهرها، ولكن عند سبر أغوارها نجد ما لا يمكن تخيله، حيث يدرس طلاب كليات التربية "معلمو المستقبل" الواجب إعدادهم وتأهليهم على أحسن وجه، مواد هذا التخصص الضروري والمطلوب في جميع أسواق العمل نظرياً وبصورة غاية في التقليدية واللاتكنولوجيا! فرغم وجود معامل تكنولوجية خاصة، إلا أن بعضها قديم جداً في أدواته، غير متجدد؛ حيث يجلس أستاذ المادة أعلى المنصة قارئاً كتاب المادة العلمي، وناقلاً ما فيه من معلومات، كتعريف تكنولوجيا التعليم ومكوناتها ومصادرها وأهميتها.. إلخ. إنها حقا مأساة تدفعنا إلى التساؤل: ما المنتظر في المستقبل من دارس بكليات التربية يتلقى تكنولوجيا التعليم بهذه الطريقة التقليدية البحتة؟! سيكون بلا شك معلماً تقليدياً معتمداً على نقل المعلومة، وأبعد ما يكون عن توظيف التكنولوجيا الحديثة داخل فصول الدراسة. ما يجعل هناك فجوة كبيرة بين الناتج من عملية التعليم في القدرات والخبرات والإمكانات وبين مطلوب أسواق العمل الحديثة. هذه عينة "بسيطة" واقعية من المشكلات التي تواجه قطاعات تكنولوجيا التعليم في عالمنا العربي، ولعل من إنجازات وزارة التعليم السعودية أخيراً كأنموذج إصلاحي يستشرف المستقبل تجربتها مع كليات التربية عندما أوقفت القبول فيها للعام 1439/ 1440م؛ وذلك لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتعليم ضمن رؤية المملكة 2030، ومنها محاولة البحث عن حلول جادة تضمن توظيفاً عالمياً للتكنولوجيا الحديثة في نظمنا التعليمية، وحصر وتحديد جميع المشكلات التي أصابت مجال "التعليم التكنولوجي" في مقتل والنظام التعليمي ككل!