لقد أدى التحول الجذري في المشهد الإعلامي في العصر الرقمي إلى أن تتطلع وسائل الإعلام بشكل متزايد إلى طرق بديلة للحفاظ على حصة السوق، وعلى جذب الاهتمام عن طرق نشر الأخبار الغامضة، والمثيرة التي تختلط فيها الحقيقة بالأوهام. وهي تقوم في هذا الشأن بجذب من يدعون الاستقلالية والموضوعية، بينما هم في حقيقة الأمر يتحدثون باسم آخرين من خلف الستار، بغرض الترويج لآرائهم، أو تحقيق أجنداتهم المغرضة. وعلى الرغم من أن الإعلام الحر والمستقل هو مكون رئيسي للديمقراطية الغربية، إلا أن هذا لا يعني أبداً أنه نزيه أو غير منحاز. وعندما يقوم هذا الإعلام بطمس الخط الفاصل بين الأخبار الحقيقية والمغرضة، فإنه إنما يعبر حينئذ عن أجندات لا يعلم عنها القارئ شيئاً. ورغم ذلك فإن هناك من يسلم عقله له، ظناً منه أن ما يذكره من أخبار هي مسلمات لا شك فيها. ولو محص المرء ما يتلقاه من وسائل الإعلام لوجد أنه - في كثير من الأحيان- يتعرض لسياسة ممنهجة تسعى لكي يكون ترساً يدور في فلك الآلة الإعلامية، فيسلم لها عقله، ويردد ما يتلقاه عن يقين واقتناع، وقد يضيف إليه من مخيلته الخاصة، بل ولعله يدافع عنه ويثور من أجله إن وسائل الإعلام الأجنبية تقوم في الوقت الراهن بدحرجة كرات إعلامية تؤدي إلى أن يتعاطى مواطنو المملكة أخباراً يلتبس فيها الحق بالباطل، وتعطي دلالات مقصودة تستقر في منطقة اللاوعي عند من يستقبلونها. ترى ما الذي يتطلع إليه أعداء المملكة الآن وفي كل وقت. أليس هو تفكيك اللحمة الوطنية للقضاء على دور المملكة الرائد وحالة الاستقرار التي تعيشها، وتحويلها إلى دولة مفككة ومهلهلة مثل العديد من الدول المحيطة بنا؟ ولو كان هناك خياران للدولة: دولة قوية يسودها الأمن والرخاء ودولة مهلهلة مفككة مثل كثير من دول المنطقة الآن، فهل يعقل أن ينحاز مواطن إلى خيار الدولة المهلهلة المفككة؟ ألا يعني أن يقوم شخص ما بترديد ما تتداوله بعض وسائل الإعلام من أخبار مغرضة عن المملكة ورموزها – دون نقد أو تمحيص لما يستقبله من دلالات أو أغراض مطمورة فيما يرد إليه من أخبار أو تحليلات- إن هذا الشخص ينحاز دون أن يدري إلى خيار الدولة المفككة؟ إن أقل ما ينبغي أن يتصف به المواطن الصالح، الذي يدرك أهمية المحافظة على اللحمة الوطنية وأهمية ترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة حسب ما جاء في رؤية 2030، هو ألا يردد - أو يساهم في ترديد - ما يرد إليه من أخبار أو تحليلات، حتى لو كانت تبدو في ظاهرها حقيقية، فالظاهر غير الباطن، فإنه إن شارك في نشرها، وكانت تحمل كذباً أو قدحاً أو إشاعة مغرضة، أو كان من تداعياتها فساد أو إفساد، فسيكون عليه وزرها ووزر من قرأها وأرسلها. وليذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع». *عضو مجلس الشورى سابقاً