يحتفل الشعب الجزائري بالذكرى ال64 لثورته الخالدة ضد الاستعمار الفرنسي العام 1954م، وهي الملحمة الشعبية التي يندر مثلها في التاريخ، وأصبحت رمزا للحرية والاستقلال بمناضليها وشهدائها الذين رسموا الفجر الوليد للجزائر، وبددوا ظلمة الانكسار والمعاناة، وتميزت ذكرى الثورة الجزائرية هذا العام، بتصادفها مع إنجاز جديد لتحصين أمن البلاد، وضمان استقرارها، بحملة تطهير قامت بها قوات الأمن الجزائرية ضد كتب الجناح الإيراني المشارك في معرض الجزائر الدولي للكتاب، وإغلاق الجناح بعد ثبوت تجاوز القائمين عليه للنظام، وتهديد كتبه لبنيان المجتمع الجزائري. الجزائر التي ذاقت ويلات الاستعمار الأجنبي على مدار أكثر من 130 عاما، حتى الاستقلال العام 1962، وسقط منها أكثر من مليون ونصف المليون شهيد جزائري، أصبحت تعي جيدا مرارة الظلم والألم وسفك الدماء، فأبت إلا أن تتطهر وتتحصن من سرطان الخراب والإرهاب الإيراني، بعد استشعارها تنامي خلاياه الخبيثة على الأراضي الجزائرية، من خلال أجندات السفارة الإيرانية ودبلوماسييها بالجزائر، ومحاولات نشر الفتن الطائفية، والتشكيك بالثوابت، والترويج للمشروع الفارسي المدمر للأوطان. وعلى الرغم من وحشية الاستعمار الأجنبي إلا أنه يبقى عدواً واضحاً تمكن الشعب الجزائري من مواجهته بالتوحد صفا منيعا، واضعا أرضه السليبة نصب عينيه، متسلحا بالعزم الصادق والإرادة الفائقة؛ فصنع الانتصار على جيش أجنبي مدجج بأحدث وأقوى الأسلحة، لكن هذا الاستعمار برغم آلامه إلا أنه لا يقارن بالخراب الإيراني الذي يحول المجتمعات إلى مستنقعات من الحروب الأهلية، ويجعل أبناء البلد الواحد يسفكون دماء بعضهم البعض من دون أي تدخل خارجي، ويبيد مدنا وقرى بأكملها، ويهدم الحضارات، ويشوه التاريخ، وينشر الجوع والوباء. قصة الجزائر التي انتهت مع الاستعمار الفرنسي، بدأت مرة أخرى مع خطر الدمار الإيراني بوصول عنصر المخابرات الإيرانية أمير موسوي للعمل كملحق ثقافي لسفارة إيران على الأراضي الجزائرية، حيث ارتدى ثوب العمل الثقافي الدبلوماسي بينما يحمل أجندة خبيثة لمحاولة اختراق الجزائر التي تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة في الشمال الأفريقي، ومحاولة استغلال الملفات الخلافية في المنطقة لإشعالها بالحروب والفتن الداخلية ومن ثم تسهيل السيطرة الفارسية عليها. وبدأ موسوي الذي ينتمي للحرس الثوري الإيراني، ويعتبر أحد مهندسي الإرهاب الإيراني في المنطقة، باستغلال علاقاته بجميع التنظيمات الإرهابية الشيعية والسنية في التخطيط لتدمير الجزائر، فتوجه لنشر الفكر الشيعي الفارسي بالبلاد تحت مسمى الحلقات الثقافية والعلمية، مستهدفا بعض الجماعات الدينية بهدف تحويلهم للطقوس الإيرانية، وعمل على تجنيد العملاء بإغراءات مالية ومعنوية، ورحلات مجانية لزيارة «المراقد الشيعية» في مدينتي قم الإيرانية والنجف العراقية؛ للالتقاء بعناصر الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية، والتجهيز لتصدير النموذج الفارسي، وتأسيس جيش إرهابي إيراني ببلد المليون شهيد. كما توجه إلى استهداف فئة الشباب الجزائري باختراق الجامعات الجزائرية من خلال الاجتماعات المتكررة مع الطلاب الجزائريين، ومناقشتهم عن أحوالهم المعيشية، والتعرف على احتياجاتهم وتطلعاتهم، ومسايرتهم فيها من أجل السيطرة الفكرية عليهم، إضافة إلى تصنيف فئات المجتمع الجزائري، والتقارب مع الفئات المعارضة لنظام الدولة والحكومة. وتخطت خطورة موسوي حدود الجزائر لتشمل المغرب العربي وشمال أفريقيا، بعد افتضاح علاقته السرية مع «جبهة البوليساريو» التي تطالب بانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، حيث عمل موسوي كحلقة وصل بين إيران والجبهة من أجل تحقيق عدد من الأهداف، أبرزها ضرب العلاقات الجزائرية المغربية، ونشر العنف بالشمال الأفريقي من خلال تسهيل دعم ميليشيا حزب الله للبوليساريو بالأسلحة والتدريب على العمليات العسكرية. وجاءت نهاية موسوي في الجزائر بعدما فاحت رائحته الجاسوسية، وخطورة ما يحمله من أجندة إيرانية خبيثة على أمن واستقرار الجزائر، والتي تزامنت مع هجومه على أنيسة بومدين، أرملة الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين، بسبب دعمها لموقف المعارضة الإيرانية وتمنيها بزوال نظام الملالي من الحكم في إيران في تصريحات رسمية؛ مما أغضب موسوي، وجعله يكشف عن حقيقته؛ الأمر الذي رفضته جموع الشعب الجزائري، مطالبين بطرده؛ لتكون نهايته في البلاد هي نفس نهايته في السودان التي طردته أيضا لتورطه في ممارسة نشر المذهبية، وتهديده للأمن الاجتماعي والفكري السوداني. وبطرد الجاسوس الإيراني أمير موسوي، استطاعت الجزائر أن تبني «استراتيجية مواجهة» مع الخطر الإيراني، تكللت في ذكرى يوم الثورة الخالدة بمصادرة مئات الكتب الإيرانية الخبيثة من الأسواق، وغلق الباب أمام التهديدات الإيرانية للأمن الاجتماعي الجزائري. وعلى صعيد آخر، تحفظ ذكرى الثورة الجزائرية التضحيات وأيادي الخير السعودية التي قدمت للجزائر طوال نضالها مع الاحتلال الفرنسي، حيث لعبت المملكة دورا بارزا بقيادة الملك سعود والملك فيصل الذي كان وليا للعهد في تلك الفترة -رحمهما الله-، في دعم القضية الجزائرية في جميع المحافل الدولية، وتقديم مختلف أوجه الدعم المادي للشعب الجزائري المناضل. ولم تتحفظ المملكة في تأييدها الكبير للجزائر أن تتدهور علاقاتها مع فرنسا وأوروبا، بل صرح الملك سعود -رحمه الله- بمقولته الشهيرة في يناير العام 1958م: بأن علاقة السعودية السياسية مع الجمهورية الفرنسية متوقفة على الوصول لحل للقضية الجزائرية يضمن عودة الحرية والاستقلال لأهلها العرب، مشددا على أن الدول العربية لن تكتفي بدعم الشعب الجزائري بالمساعدات فقط، مقترحا أن تدخل البلدان العربية في مقاطعة مع فرنسا حتى تعترف بحق الجزائر في الحرية والاستقلال. ولا تنسى الذاكرة الجزائرية رحلات الكفاح السعودي والجولات المكوكية التي كان يقوم بها الملك فيصل -رحمه الله- لخدمة القضية الجزائرية في الأروقة الدبلوماسية ، فالمملكة هي أول من طالبت بتوثيق قضية الشعب الجزائري بمجلس الأمن الدولي، في رسالة مؤرخة بتاريخ (5 / 1/ 1955م). وفتحت المملكة بتبنيها للقضية الجزائرية مواجهة كبيرة مع فرنسا بصفة خاصة وأوروبا بصفة عامة، بصولات وجولات في أروقة الأممالمتحدة شهدت نقاشات حادة بين الطرفين في أوقات كثيرة، كما توجهت المملكة لدعم ثوار الجزائر ماديا وتسليحا على النحو التالي: دفع مليار فرنك فرنسي دعما للشعب الجزائري. افتتاح اكتتاب عام بمبلغ 100 مليون فرنك، على أن تلتزم الحكومة بمبلغ 250 مليون فرنك. توفير مختلف الأسلحة وأوجه الدعم السياسي لقيادة الثورة الجزائرية. تخصيص مبلغ سنوي بقيمة 250 ألف فرنك لدعم حرب التحرير الجزائرية. تبرع الملك سعود بمبلغ مليون ريال من ماله الخاص لصالح الجزائريين. الدعم السعودي غير المحدود للقضية الجزائرية وثقه رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في ذلك الوقت فرحات عباس في رسالته للملك سعود، قائلا: «لا يسعني يا صاحب الجلالة إلا أن نرفع إلى جلالتكم شكري الصادق، واعتراف وتقدير حكومتي وشعب الجزائر لما بذلتم وتبذلونه في سبيل نصرة قضيتنا التي هي قضية الأمة العربية التي باعتزازها يعز الإسلام. وإن حكومة وشعب صاحب الجلالة الذي ناصر قضيتنا ولا يزال يناصرها منذ البدء لا يستغرب منه أن يظل النصير الأول لقضيتنا العادلة».