مع الانفتاح الفني الكبير الذي عاشته المملكة في السنتين الماضيتين، توقعنا أن يتحرك المنتجون والمستثمرون السعوديون لامتلاك حصة من السوق الفنية الناشئة عبر مبادرات وفعاليات ومهرجانات من ابتكارهم، ويعود ريعها بالكامل لهم، وذلك في سياق رؤية 2030 وأهدافها المتمثلة في تعزيز فعالية القطاع الخاص وضمان استدامة نشاطه. لكن الذي حصل هو أن المنتج/المستثمر السعودي ما زال يفكر بالطريقة التقليدية القديمة، معتمداً اعتماداً كلياً على الأموال التي تأتيه من الجهات الحكومية، ومُهملاً بشكل كامل الوجه الآخر من المعادلة الإنتاجية؛ الجمهور وشباك التذاكر. لنتأمل واقعنا اليوم بعد سنتين من النشاط الفني المكثف: ما زالت الهيئات الحكومية «الثقافة/الترفيه/الإذاعة والتلفزيون» هي المموّل الرئيس والوحيد للفعاليات والأعمال السعودية، ولا توجد حتى الآن أي شركة إنتاج سعودية تستطيع النهوض بنشاط فني بشكل مستقل، وتتعامل مع الجمهور مباشرة دون دعم مادي رسمي، كما لا يوجد أي مستثمر سعودي تمكن من إنشاء مقر أو موقع أو مسرح خاص. وهذه كلها مؤشرات مهمة على عدم قدرة القطاع الخاص على مواكبة التوجه الرسمي لخلق صناعة فنية مستدامة. الدولة - رعاها الله - لم تقصر أبداً في هذا الاتجاه، استحدثت فعاليات ومناسبات ومهرجانات، كما وفرت دعماً يصل في بعض الأحيان إلى 50 في المئة من تكاليف التشغيل، وذلك من أجل تشجيع شركات الإنتاج السعودية على الحركة والابتكار، لكن – ونقولها بكل أسف وبعد سنتين من النشاط- المنتج السعودي لم يكن في مستوى المرحلة، ولم يبذل أي جهد للخروج من دائرته القديمة، التي لا حياة فيها إلا بالدعم المادي الرسمي أو ما يسمى «التعميد»، فمن دون التعميد لا حياة لأي فنان أو منتج سعودي، وهذا خلل كبير. منتجون كبار يمتلكون شركات مؤثرة مثل حسن عسيري وناصر القصبي وعبدالله السدحان وفايز المالكي وعمرو القحطاني.. إلخ، أين مبادراتهم لتوسيع مجال استثمارهم وتطوير شركاتهم إلى الحد الذي تكون فيه إمبراطوريات إنتاج فني تنشط في جميع اتجاهات الصناعة الدرامية؛ سينما وتلفزيون؟. ولِم لَم يظهر أي مستثمر من المسرحيين لينشئ مسرحه الخاص الذي يعمل باستقلالية ويتعامل مع الجمهور مباشرة دون الحاجة للدعم الرسمي؟ بل أين المتعهد الغنائي المستقل الذي يبتكر المناسبات لإحياء حفلات غنائية تخضع لشباك التذاكر أولاً وأخيراً؟ مع الأسف، لم تكن هناك أي مبادرة من القطاع الخاص توحي بأنه يسعى للنهوض والاستقلال وتعزيز الصناعة، بل على العكس ارتبط نشاطه بالكامل بالدعم الحكومي، يتحرك بحركته، ويتوقف بتوقفه. هيئة الثقافة قدمت مشكورة مئات الفعاليات في الأشهر القليلة الماضية، ومثلها هيئة الترفيه، كما أنتجت هيئة الإذاعة والتلفزيون عشرات البرامج والمسلسلات المحلية، وهذا الدعم –رغم ضخامته-، إلا أنه لن يضمن نهوض الصناعة واستمرار نشاطها من دون استجابة من القطاع الخاص، فلا صناعة ولا تطور من دون مستثمر ذكي وشجاع يخلق الفرصة ويستثمرها ويسعى لتنميتها وتطويرها.