قلائل في ثقافتنا العربية أولئك الذين يجمعون ما بين الثقافة والعلاقة الثقافية، فلو تبينت ثقافة وأدب عبدالله الحقيل لوجدت ثقافة وأدبًا يقترنان بحضور ثقافي؛ سواء أكان على هيئة مؤتمرات أو ندوات أو ملتقيات أو أسواق ثقافية أو رحلات ثقافية.. في الأشهر السابقة، عندما شرع سوق عكاظ أبوابه، غادرنا معًا إلى الطائف بدعوة من الأمير سلطان بن سلمان، وفي الغد قمنا برحلة استكشافية حول المدينة، توقف طويلًا عند مدرسة دار التوحيد، يتذكر تلك الأيام عندما كان شابًا يافعًا يكافح لكي يجد لنفسه موطئ قدم في درج الصعود العلمي، بل في بداية مراحل دراسته. غادرنا مدرسة دار التوحيد، وطفنا بالمكتبات القديمة: مكتبة المعارف، ومكتبة الثقافة، ومكتبة المؤيد، ومكتبة السناري، ومكتبة المعرفة، وفي المساء حضرنا معا تدشين كتاب الخيال الممكن للأمير سلطان بن سلمان في جامعة الطائف. عبدالله الحقيل إنسان حقيقي، له آمال حقيقية، يتصف بمعالم اللطف والنبل والروعة، يأخذ نفسه بالتثقيف المتواصل؛ ليفهم ما حوله، ويستخدم هذا الفهم في تحقيق نفسه، وأحيانًا يضطر إلى بذل الجهد لكي يؤكد لكل إنسان أنه ليس وحيدًا، ولكن وراء كل ذلك لا تملك إلا أن يأخذك الإعجاب بالروح الأخلاقية والإنسانية التي يتحلى بها هذا الرجل، التي تدل على شجاعة حقيقية. في عام 2014، أقام نادي الرياض الأدبي ندوة أدبية تكريمية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، خصصها لتكريم الشخصيات التي ناصرت اللغة العربية، وكان الأديب عبدالله الحقيل إحدى تلك الشخصيات المكرمة، وقد تحدثت في تلك الندوة الأدبية عن عناية الأديب عبدالله الحقيل باللغة العربية تعلمًا وتعليمًا وتأليفًا، إلى جانب دوره في الجمعية العلمية السعودية للغة العربية، باعتباره عضوًا رئيسا فيها، والمؤلفات والكتابات التي كتبها حول اللغة العربية، وتدريسه اللغة العربية في كل من كلية المعلمين في وهران بالجزائر، وفي ثانوية الدوحة في لبنان. وعندما نقف على واقع حياة الأديب عبدالله بن حمد الحقيل، يتبين لنا أنه أخذ من كل علم بطرف، فقد برع في الأدب واللغة والتاريخ والتربية وأدب الرحلات، فقد عرفت حياته هذا التنوع الثقافي والأدبي والعلمي، وكما يقول د. طه حسين: "إن مؤرخ الآداب مضطر إلى أن يلم بتاريخ العلوم والفلسفة والفنون الجميلة، وتاريخ الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أيضًا، إلمامًا يختلفُ إيجازًا وإطنابًا، ويتفاوت إجمالًا وتفصيلًا باختلاف ما لهذه الأشياء كلها من تأثير في الشعر أو النثر أو تأثر بهما". هذا المفهوم العام الشامل للأدب، سواء كان أدبًا إنشائيًا أو أدبًا وصفيًا، يمثل منهج عبدالله الحقيل خير تمثيل؛ فهو أديب ومؤرخ ومثقف، حيث ارتبط بالأدب والثقافة ارتباط نشأة والتزام، فقد كتب في التربية، واللغة، والتاريخ، والنقد الأدبي، وأدب الرحلات. وقد حظي الأديب عبدالله الحقيل بعلاقات ثقافية واسعة؛ حيث تعتبر العلاقات الثقافية مكونًا مهمًا من مكونات حياته، فالعلاقات الثقافية الوسيلة الحضارية للتواصل وتلاقح التجارب، وهو من الشخصيات النشطة في مجال العلاقات الثقافية، حيث يبذل جهدًا كبيرًا في التواصل الثقافي، فالعلاقات الثقافية من أكثر العلاقات الإنسانية عمقًا وإبداعًا وتميزًا وصدقًا. فقد كان له حضور في المناسبات الثقافية على مستوى العالم العربي، وقد نتج عن هذا الحضور الفاعل في المناسبات الثقافية نتاج ثقافي واسع. قلائل في ثقافتنا العربية أولئك الذين يجمعون ما بين الثقافة والعلاقة الثقافية، فلو تبينت ثقافة وأدب عبدالله الحقيل لوجدت ثقافة وأدبًا يقترنان بحضور ثقافي؛ سواء أكان على هيئة مؤتمرات أو ندوات أو ملتقيات أو أسواق ثقافية أو رحلات ثقافية، وعلى الرغم من التنوع الثقافي الذي أحاط حياته وميز تجربته، إلا أن له حضورا ميدانيا ومنبريا واسعا، ولذلك تراه عضوًا مشاركًا في عدة هيئات علمية وأدبية وثقافية وتاريخية، كجمعية التاريخ والآثار في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، والجمعية العلمية السعودية للغة العربية، واتحاد المؤرخين العرب، والجمعية العلمية التاريخية السعودية، وموسوعة تاريخ التعليم ورجاله، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، ورابطة الأدب الحديث في القاهرة، ورابطة المؤرخين المغاربية. وكانت له مشاركات في سوق عكاظ والمنتديات والملتقيات الثقافية والعلمية والأدبية كنادي الطائف الأدبي، ونادي جازان الأدبي، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية. وقد أقيمت له مناسبات تكريم في كل من دارة الملك عبدالعزيز، والنادي الأدبي في الرياض بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، واثنينية عبدالمقصود خوجة، وشعراء المعجم في الطائف. تضافر ذلك النتاج الأدبي والعلمي يبرز لنا شخصيته الأدبية والتاريخية المتوازنة، وإن كان يجد نفسه في (أدب الرحلات)؛ حيث صدرت له أربعة كتب في هذا المجال؛ وقد استأثر هذا اللون من الأدب باهتمامه، فصار يدون رحلاته وأسفاره، ويكمن تميز الأديب عبدالله الحقيل في تنوع تجاربه، ما بين اللغة، والتاريخ، والتربية، والأدب، ويبدو هذا التنوع واضحًا من خلال المؤلفات والكتابات التي نشرها. ولذلك كانت حياته حافلة بمزيد من العطاء المستمر والعمل الجاد، تفاعل -وبمنتهى الجدية - مع أكثر من توجه، وأخذ بأكثر من طريق من طرائق المعرفة، وأقام علاقة جادة مع الثقافة. نهل من ألوان المعرفة، وكدّ نفسه في سبيل العلم، وجدّ واجتهد، وانتهى إلى هذا التنوع والنتاج المعرفي الوافر، الذي شمل مختلف المجالات التربوية والتعليمية والثقافية والأدبية؛ وقد وقف كثيرًا من وقته على ترسيخ مبدأ العلاقات الثقافية، وهو كاتب غزير الإنتاج، ولعلك تلحظ ذلك من خلال كثرة مقالاته، وأبحاثه، ورسائله، ومؤلفاته، ومحاضراته. قال عنه الأديب عبدالله بن خميس: إن الأديب عبدالله الحقيل أديب بارع ذواقة، لا نشاز في تعبيره، ولا تكلف في نطقه ولا مبالغة، تغلب عليه النزعة الأدبية، فيطعم بشارد من الشعر أو سائر من الأمثال أو مأثور من الحكم، رحالة معاصر، جاب الشرق والغرب والشمال والجنوب، وترك آثارًا أدبية في هذا المجال. واليوم غادرنا الأديب عبدالله الحقيل، وترك لنا تراثًا ثقافيًا كبيرًا.