أما وقد ظهرت الحقيقة حول ما حصل للأستاذ جمال خاشقجي، فلا يسعنا سوى أن نترحم عليه ونقدم عزاءنا لأبنائه وعائلته الكريمة.. لن ندخل في مهاترات جديدة بعد انكشاف الحقيقة ونأسف فعلاً للمأساة التي حدثت، وننتظر بلا شك المزيد من التفاصيل.. موقفنا الرسمي يعترف بأن جمال خاشقجي مات داخل القنصلية جراء شجار (وسوء تصرف) من قبل الأشخاص الذين تم القبض عليهم.. مات ولم يقتل بطريقة متعمدة وهناك فرق كبير بين الاثنين.. فالسعودية أذكى من أن تستدرج مواطناً (لم تتهمه أصلا بشيء) لتقتله بهذه الصورة العلنية والمحرجة داخل قنصليتها.. عائلة وأبناء جمال خاشقجي مايزالون يعيشون ويعملون في السعودية (حتى أثناء عيشه هو في الخارج) ولو كانت السلطات ترغب بعودته لساومته عليهم بحيث يعود بكل هدوء لمطار جدة.. ولكن السعودية لم تلجأ يوماً لهذه الأساليب بدليل عيش عائلات أخرى (لمعارضين سعوديين في الخارج) مايزالون يعيشون بكل حرية داخل السعودية.. المسعري والفقية قضوا سنوات طويلة في الخارج يحاولون تأليب الداخل السعودي ومع ذلك لم تحاول السعودية أذيتهم في الخارج أو مساومتهم بعائلاتهم في الداخل.. المرحوم جمال خاشقجي لم يصدر بحقه أي قرار رسمي أو قضائي (وأكد هو نفسه في أكثر من مناسبة احتفاظه ببيعته للملك سلمان) فكيف نتصور أن يتم استدارجه لتركيا (وليس جدة) وانتظار دخوله لقنصليتها في إسطنبول (وليس مثلاً سفارتها في أنقرة) لتقتله داخلها (بدل أي شارع يخص الدولة التركية).. ما حدث لجمال خاشقجي مأساة غير محسوبة أو مخطط لها (وأقول هذا عن قناعة شخصية).. مأساة لم يتمنَ أحد حدوثها، لا على المستوى الرسمي أو الشعبي، ولكن الكشف عن ملابساتها بكل شفافية يظل في النهاية أفضل من التكتم عليها للأبد.. نعترف بما اعترفت به دولتنا غير أننا يجب أن نميز في جميع الأحوال بين قضيتين؛ الأولى حدوث مأساة فردية لإنسان (يجب أن يعاقب المتسببون بها)، والثانية استغلال هذه المأساة للإساءة لدولة ووطن يضم ملايين البشر.. ما حدث بالتوازي مع مأساة خاشقجي هو استغلالها اختفاءه إعلامياً وسياسياً ضد السعودية حتى قبل انكشاف الحقيقة.. استغلالاً بدا منظماً منذ البداية ولم يكن ليظهر لو حدثت نفس القضية مع أي مواطن سعودي آخر.. سرعة نشر الخبر في قناة الجزيرة، وتجمهر المتظاهرين حول القنصلية، وحمل صور مطبوعة وجاهزة لجمال خاشقجي، ترجح وجود تيارات ومنظمات كانت دائماً على أتم الاستعداد لاستغلال أي قضية ضدنا. بلا شك، سنتعرض خلال الأيام القادمة لضغوط دولية كبيرة لم تتعرض لها دول بوليسية كثيرة اختفى فيها آلاف الناس دون اعتراف أحد.. سنتعرض أيضا لحملات إعلامية خبيثة هدفها (ليس جمال خاشقجي) بل استغلال مأساة جمال خاشقجي للنيل من دولة عربية ظلت متماسكة وعصية في منطقة تفككت فيها دول كثيرة لعشرات القطع الصغيرة.. نكرر حزننا وأسفنا للمأساة التي حدثت، وننتظر كشف المزيد من الملابسات حول مرتكبيها وظروف حدوثها.. Your browser does not support the video tag.