دخل تعبير «الوطنية» مؤخراً في الكثير من تعابير وتعاملات أفراد الشعوب، ففي الوقت الذي يصنف البعض مسؤولية البعض تجاه الأشياء الحاسمة في محيطه والتي تشكل أفكاره وطرق تعاطيه مع كل ما يتعلق بتنمية الوطن سواء في المنصب أو العمل أو الأنظمة والقوانين إلا أن تعبير «الوطنية» يراه بعض الفلاسفة بأنه الإحساس بالارتباط والالتزام المحدد تجاه دولة أو مجتمع سياسي وغالباً ما يعبر عن الولاء للأرض بتعبير «الوطنية»، وذلك من خلال الأرض الواحدة التي تربي بها الفرد وعاش فيها وكبر.. إلا أن «الوطنية» في المقام الأول أمر أخلاقي إلزامي ويتضح مثل هذا الالتزام من خلال نظرة الفرد لوطنه ولكل ما يمثله سواء من قيادة أو مؤسسات أو أفراد وجماعات، فالوطنية تعني الولاء المطلق للوطن الذي تتشكل أفكارنا من خلال كل ما يمكن أن يصب في صالحه وصلاحه والخوف عليه والذود عنه ثم تطبيق جميع الممارسات الفعلية والمعتقدات التي لابد أن تتقاطع مع نماء هذا الوطن والحفاظ عليه.. وهي ذات الفكرة التي أكد عليها المختصين في مجالات عدة والتي تذهب إلى ضرورة أن تكون «الوطنية» فكر وسلوك وإيمان قبل أن تكون مصطلح يتردد وشعارات تكتب. آل خياط: علينا أن نورّث أبناءنا الأفكار التي تبني الوطنية بمفهومها العميق نبذ التفرقة يرى الخبير السياسي والإستراتيجي وعضو مجلس الشورى سابقاً د. مشعل ممدوح آل علي، أن الوطنية تعني الإنسان وأهله وبيته، فحينما يشعر المرء بأن هذا الوطن بيته الحقيقي وبأن جميع أفراد المجتمع السعودي هم أهله فإنه يشعر بأن الوطنية تتجسد أمامه فيدافع عن بيته وعن أهله حتى تتوحد جميع هذه الأمور فتشكل مفهوم الوطن، الوطنية بمعناها العميق هي الانتماء لهذا الوطن والحرص عليه ثم استشعار الفتن التي تتربص به ويراد أن يكون لها مكان في هذا الوطن من خلال من يتخذ من الدين وسيلة حتى يدخل على الأفراد بمفاهيم لا يعلمونها فجاء الهدف هنا من أجل تمزيق هذا الوطن وتجزأته من خلال الحديث عن طائفية مقيتة أو عن قبلية مرفوضة أو عن مناطقية تجعل الإنسان في جانب بعيد عن أخيه الآخر فتتجاذب الناس وتتصارع وتتناحر فيتغافلون عن الإبداع، وتنقطع الإنتاجية. الوطنية الحقيقية لا تفرق بين مناطق المملكة جميعاً وتضع الجميع في البيت الواحد وهو المفهوم العظيم للاستقرار والأمن، الوطنية تجعل من الوطن مكان الأمن والهواء الذي يستنشقه المواطن، والرداء الذي يستتر به، هي الفكر الذي يفكر به الفرد، الوطنية بشكلها البسيط هي ذلك الحياة كمنظومة متكاملة، إن هذا الوطن وتلك القيمة لا يشعر بها الفرد إلا حينما يعيش التناقض المؤلم الذي تخلقه بداخله الغربة، وهو بعيد عن وطنه فيقترب من لا وطن له، أو من ذلك المرء المثقل والممزق بهموم الحروب التي في وطنه، وهنا يكمن حقيقة الشعور بقيمة الوطن التي لا يشعر بها البعض حينما يكونوا تحت ظله، فالشعور بقيمة الشيء تتضاءل أحياناً حينما يصبح في موضع الملكية المتاحة كالماء الذي وجوده يلغي الحاجة إليه بذريعة انتفاء الشعور بالعطش، ولذلك فإن الانتماء الحقيقي بصف واحد وتحت قيادة واحدة ومستقبل يعد بالتطور فإن الشعور بأهمية هذا الوطن تتضح، وقد تجسد هذا المعنى الواسع في مقولة ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود - حفظه الله - حينما قال: (نحن طموحنا إلى السماء) فالطموح يكبر في كل يوم ويتحقق وهذا يعكس حقيقة المملكة التي هي بمثابة «الجوهرة» الثمينة التي لفتت الأنظار بما حققته من تميز فحجنا في كل عام ينجح، ولدينا القدرة على التخلص من كل من يتربص بوطننا، ولدينا أفكار تصنيعية رائدة، ولدينا نسيج اجتماعي يتمثل بوجود المرأة المساندة للرجل في تطور التنمية وهي الرؤية الشرعية الوسطية التي تنظم حياة الناس العامة، لدينا أيضاً وعي بالقانون العام والأنظمة التي نحترمها ثم نحترم قوانين وأنظمة الغير، وينعكس ذلك على تعاطينا مع الطفل واحترام كينونته، حينما يكون لدينا تعليم راقٍ نجد بأن النواحي جميعاً تصب في حقيقة الوطنية. التشكيك يرى الكاتب والمحلل الإستراتيجي والسياسي د. علي التواتي أن مفهوم الوطنية للأسف يساء استخدامه كثيراً في الإعلام الموازي إساءة واضحة، فالكثير استخدموا تعبير الوطنية من باب المزايدة وهم من منطقة ما أو قبيلة ما فيعتبر نفسه أكثر وطنية من غيره، فالبعض حينما يعمل في مجال ما فإنه يظن أنه أكثر وطنية من غيره، وهذه كلها مفاهيم خاطئة غير مقبولة فالوطن واحد والمواطنين بحسب نظام الحكم وبحسب ما تؤكد عليه الشريعة الإسلامية بأن الوطن واحد والمواطنين على قدر من المواساة، إن الوطنية تتمثل في أن يقوم كل فرد بعمله مهما كان موقعه أو حجمه بالشكل المطلوب وبأقسى ما يمكن من التفاني، الوطنية تعني الغيرة على هذا الوطن من أن يتهجم عليه أحد أو يحاول أحد ما تخطي سيداته وتخطي قيمته أو مواطنيه، فالوطنية للمتعلم أن يخلص في التعليم أما العسكري فهي تعني أن يخلص في الدفاع عن وطنه، الوطنية مفهوم ضمني يختلف من إنسان إلى آخر بحسب موقعه ولكن تحت مظلة واحدة، وهي تساوي الحقوق والواجبات بين الجميع بدون مزايدة وبدون مبالغة ومن دون توظيف لهذا المفهوم الراقي النبيل توظيفياً شخصياً يخدم أغراضاً شخصية لفرد أو جماعة مهماً كان موقعه في الوطن، فالوطنية مشاعر طيبة تجاه الوطن وهي عمل متقن في سبيل رفعة الوطن وأداء الإدوار في الحياة بالشكل الأمثل بحسب متطلبات هذا الدور مهما كان موقعي صغيراً أو كبيراً. وأشار التواتي بأنه من خلال قنوات التواصل الاجتماعي فإنه لا يمكن معرفة الشخص الذي أمامك فمن شكك في وطنية مواطن غيور وحقيقي وصادق لا يكون مواطناً أحياناً ففي مواقع التواصل الاجتماعي اختلط الحابل بالنابل فهناك أجهزة استخباراتية ودول أجنبية تعرف أن الوطنية موضوع حساس في هذا الوطن فيطعنون في وطنية بعض الإعلام والمسؤولين وبعض الأيقونات الإعلامية الكبيرة، فالدولة لا يخفى عليها ذلك لأنه لديها أجهزتها وتعرف كيف تتحرك مثل هذه المنظمات، فالإخوان هي منظمة موجودة تتحرك عبر تلك القنوات الرلكتروني وربما بعضها من يحاول أن يطلق التهم بالبعض حتى يضع الآخرين في موضع الدفاع عن النفس، وهناك مجموعة أخرى تخرج من الداخل إما من داخل الفريق الواحد لمجال العمل أو من خلال بعض الكتاب أو أشخاص لهم طموحات في وزارات معينة فيطلقون التهم من خلال أسماء مستعارة للتشكيك بوطنية البعض من أجل إزاحته من مكانه وهنا يجب التنبه. الإنتاج يرى الكاتب والمستشار الإعلامي محمد العصيمي أن الوطنية تعني شيئين: المسؤولية تجاه الوطن، وثانياً الإنتاج المؤثر بمسيرة الوطن، فالوطنية ليست شعارات أو أغانٍ أو أهازيج ورقصات فمثل هذه مطلوبة وجميلة ولكن وطن كوطننا في المملكة العربية السعودية يتطلب منا في الدرجة الأولى أن نتحمل مسؤوليتنا تجاه كل شيء يتعلق بهذا الوطن، سواء كان ذلك على مقاعد التعليم أو في مكان الوظائف أو في ممارسة الأعمال التجارية لدى رجال الأعمال، وأصحاب المشروعات في السوق التجاري ولدى المسؤولين وأعضاء مجلس الشورى، ولدى كل الأعضاء المنتمين لمؤسسات المجتمع المدني أي أن يكون هناك رابطة فعل من أجل أن يواصل هذا الوطن تطوره وتقدمه، ولن يحدث ذلك إلا حينما تجتمع الإرادة الوطنية من كل المواطنين كلا في موقعه كبر هذا الموقع أو صغر في تحمل المسؤولية والعمل بضمائر مخلصة من أجل تقدم الوطن، وأيضاً مضاعفة ومراكمة الخبرات تجاه الإنتاج المؤثّر وهنا لا نقصد فقط بالإنتاج المتعلق بالجانب الاقتصادي والصناعي فقط إنما أيضاً الإنتاج الفكري والثقافي والتعليمي والتعليم الذاتي، نريد أن ننتقل في وطننا من حالة الاستهلاك العارمة في كل شيء إلى حالة الإنتاج الكبير والتي يتحمل مسؤوليتها كل مواطن في أي موقع. وأشار إلى أن هناك من يمارس شيئاً من الفوقية أو العنصرية أو توصيف الآخرين والذين يعدون من أبناء الوطن بأوصاف غير لائقة ليدلل على وطنيته وهذا غير صحيح، فهذه العنصرية أو الإساءة للآخرين بأسمائهم أو أعمالهم أو مكانتهم في السابق لا يعطي البعض الضوء الأخضر أنك وطني، فالوطنية أن تحترم الجميع على أرض الوطن، لأن الوطن للجميع فكل أخلص للوطن وآمن به وعمل على أمنه وتقدمه وإنتاجيته فهو مواطن صالح يستحق الاحترام بعيداً عن أصله وجماعته وقبيلته فالجميع يجمعهم الوطن فعلى الجميع أن يحترم الآخرين ويفخرون بكل من يحقق الإنجاز في أي مجال إقليمياً أو دولياً. وأكد العصيمي إلى أنه منذ الوقت الذي أقر به باليوم الوطني فإن الصغار أخذوا يشعرون بأهمية الوطن وبمعنى الوطنية إلا أن هناك قصوراً من منظومة التعليم في مراحل الدراسة الأولية في توعية وتثقيف الصغار على ماذا يعني الوطن وكيف تكون مخلصاً للوطن ومسؤول عن تنميته. الشراكة الحقيقية يرى الاستشاري في أمراض الدم بمستشفى الملك فيصل التخصصي بمركز الأبحاث بالرياض وعضو مجلس الشورى سابقاً د. مازن خياط بأن الوطن يمثل قيمة الحب والارتباط به ومدى تأثير هذا المكان الذي ولد وخلق فيه الفرد فشعر بهذه الشراكة الوثيقة التي تبني علاقته بوطنه، فكل ما يمس هذا الوطن يمس الفرد ذاته فيرفض المساس به، فحب الأوطان فطرة تخلق بداخل المواطن وهذه هي الوطنية الحقيقية فهي لا تخلق بداخل الفرد إنما هي جزء من تكوين المرء الشخصي، مؤكداً أن الوطنية هي أساس تعاملات الفرد فهناك من يوجه الملاحظات والانتقادات ليس من قبيل النقد الهدام الذي يخرج وطنه في صورة غير مقبولة إنما من قبيل حب الوطن والرغبة في أن يكون في مقدمة الصفوف في العالم ولذلك يسعى مثل هذا الفرد لتنمية الوطن والرغبة لتدارك السلبيات إلا أن مثل هذا النقد يطرح بطريقة موضوعية وفي وقتها المناسب الذي يخدم الوطن. وأشار خياط بأن تنمية الوطنية تبدأ بالأسرة التي لابد أن تورث الأبناء هذا الفكر القائم على العمل المتكامل مع عدة جوانب، ومن خلال منظومة التعليم التي تبني الممارسات والأفكار على أساس حب هذا الوطن. د. مازن خياط د. مشعل آل علي محمد العصيمي Your browser does not support the video tag.