ماهي أمراض نمط الحياة؟ والتي يسميها البعض أمراض العصر أو أمراض الحضارة، وهي أمراض مرتبطة بطريقة حياة الناس فتحدث بسبب نمط الحياة غير الصحي وبمسببات مرتبطة بطبيعة حياة الشخص مثل العادات الغذائية أو البدنية السيئة أو عدم تنظيم النوم أو التدخين أو بأسباب عمرية أو وراثية وبيئية. تنتشر أمراض نمط الحياة في كل العالم بنسب مختلفة ويفترض أن نسبها أقل في الدول غير الصناعية حيث لم تعان الدول النامية من المشاكل الصحية التي اقتحمت الدول المتقدمة صناعياً، ولكن الحقيقة أن انتشار الأغذية غير الصحية ونمط الحياة الكسول لقلة مزاولة الأنشطة البدنية صار ظاهرة عالمية في كل الدول بكل مستوياتها، ومع عدم توفر الخدمات الطبية وضعف الوعي الصحي في الدول النامية جعل تلك المشكلات أكبر وأعقد ومضاعفات تلك الأمراض أكثر انتشاراً. من أشهر تلك الأمراض أمراض القلب والشرايين (ومنها ارتفاع ضغط الدم) والجلطات والسكري والسرطان وأمراض الكلى وأمراض الجهاز التنفسي والإحباط والأمراض العضلية الهيكلية. أربعة أمراض منها تشكل نسبة 60 % من أسباب الوفيات في العالم، إنها أمراض القلب والسكري والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي، وتتسبب في 80 % من الوفيات من الدول النامية، حيث لا تتوفر الأدوية والخدمات الطبية للجميع بالشكل المطلوب. نشرت مطابع أكسفورد الشهيرة كتابا تحت عنوان "أولويات التحكم في الأمراض في الدول النامية" ( Disease Control Priorities in Developing Countries) واستعرض الكتاب المشاكل الصحية المنتشرة في أغلب الدول النامية وسبل الوقاية منها وأوضح كيف يمكن لتلك الدول الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في علاج الأمراض والوقاية منها التي انتشرت بشكل كبير جداً واستعرض الفوائد الجمة في تحسين نمط الحياة الذي يجنب الناس خطر الأمراض ويحافظ على صحتهم مما يعود عليهم بالنفع في حياتهم الاجتماعية والصحية والمادية، وبين كيف ستحافظ تلك الدول على ميزانياتها وتتوجهها التوجيه الصحيح إذا استخدمت برامج الوقاية وتحسين نمط الحياة ليكون صحياً. هناك توجه عالمي تدعمه المنظمات الصحية العالمية لدعم إستراتيجيات تحسين نمط الحياة لما فيه من حماية للناس من فتك الأمراض وتقليل تكاليف العلاج والسيطرة على الأمراض التي لم تنجح الطرق العلاجية التقليدية في وقف توسعها الهائل. إن أبحاثاً طبية كثيرة أثبتت دوراً مذهلاً عند تحسين نمط الحياة بالذات التغذية والنشاط البدني على إعادة الشباب للخلايا وتأخير أمراض الشيخوخة. الجدول المرفق يختصر تقرير منظمة الصحة العالمية ومنظمة مكافحة السرطان لتوضيح العلاقة المباشرة بين بعض أنماط الحياة والأمراض المزمنة والشائعة فمثلاً تأثير تخفيف الوزن ومزاولة النشاط البدني وتجنب التدخين في تقليل نسب الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والشرايين والسكري والسرطان والسمنة وكسور الحوض وأمراض الأيض ومشاكل الأسنان والضعف الجنسي، كما يوضح تأثير تناول الدهون غير المشبعة وغير المهدرجة في تخفيض نسب أمراض القلب والشرايين والسكري والسرطان وأمراض الأيض، وكيف يخفض تناول الخضروات والفواكه الطازجة أمراض القلب والشرايين السرطان ومشاكل الأسنان والسمنة وكسور الحوض، ومثلها تقريباً تناول الحبوب الكاملة (البر والنخالة) بدل منتجات الطحين الأبيض لجميع الحبوب وتقليل تناول السكر والمشروبات والمأكولات التي يدخل في تركيبها السكر. حقيقة نتائج مذهلة وواضحة للعلاقة بين تحسين نمط التغذية ونمط الحياة لتقليل تلك الأمراض والوقاية منها، ونتساءل مادام الوضع بهذه السهولة، لماذا لا نطبقه تلك الأنماط الصحية في حياتنا؟ الجواب عندكم.. *كيف تعدل نمط تغذيتك ؟ * تعديل نمط الحياة ليس صعباً ولا يتطلب اتباع حمية أو خلطات عشبية أو تناول نوعيات خاصة من الأغذية، كل مايتطلبه العزيمة والإصرار على تعديل نمط التغذية للنمط الصحي المعتدل، وأقول المعتدل لأن البعض يبحث عن حلول سحرية ويشدد على نفسه بالبحث عن خلطات وأغذية قد لا تتوفر دائماً، والبعض الآخر يعتقد أن الغذاء الصحي هو الغذاء المسلوق الذي لا يوجد فيه دهون أو نشويات أو حلويات، وهذا خطأ جعل الكثيرين يتجنبون اتباع هذا النمط الصحي لفهم خاطئ لديهم. لو سألتك لماذا تأكل؟ قد يكون الجواب: لأني جائع.. هذه إجابة نمطية، ولكن الإجابة الصحيحة آكل لأزود جسمي باحتياجاته من العناصر الغذائية ليبقى سليماً معافى. التفكير في الأكل لسد الجوع فهم ناقص يجعل الإنسان يأكل ليشبع فيأكل أي شيء يشتهيه وتأتي الفائدة الصحية ثانياً فيكون في الغالب غذاء غنياً بالنشويات أو الدهون، ولكن إذا اقتنع الشخص أنه يأكل ليزود جسمه بالعناصر الغذائية الضرورية فإنه بلا شك سيأكل وجبات متوازنة مما يجعل جسمه أكثر صحة. سأشرح باختصار في خطوات مبسطة طريقة تعديل نمط الحياة في التغذية ثم في شؤون الحياة الأخرى ولنبدأ بالتغذية. المرحلة الأولي: اتبع الآتي:- 1- استفد من طاقة الأغذية ولا أقصد بها السعرات الحرارية بل أقصد محتواها من العناصر الغذائية مثل الفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية والأمينية الضرورية وغيرها، استفد منها لصحتك وضع هذه النقطة في بالك دائماً، وستلاحظ أنك ستبحث عنها وستتعود على تلك الاختيارات الذكية لصحتك . 2- حدد الأغذية غير الصحية التي يجب تجنبها، ولكل شخص أغذية تناسبه وأخرى لا تناسبه فمثلاً بعض الناس لديه حساسية من غذاء معين فيجب تجنبه بينما هذا الغذاء يناسب شخص آخر ليس لديه حساسية فلا يجوز المقارنة مع الآخرين، ويمكن لاختصاصي تغذية أن يساعدك في هذا. 3- استبدل الأغذية غير الصحية بأخرى صحية بالتدريج مثلا استبدل الأغذية عالية الكوليسترول والدهون المشبعة أو المهدرجة بدهون غير مشبعة طبيعية، واستبدل السكر بالعسل أو الدبس، والحلويات بقطعة صغيرة من الشوكولاته الداكنة واستبدل العصيرات والمشروبات الغازية بالماء وهكذا، وضع لنفسك برنامجاً مبسطاً لاستبدال تلك الأغذية بالتدريج ولو استمر ذلك عدة أشهر. 4- قلل كميات الأكل مثلاً غير طبق طعامك لطبق أصغر، وقلل عدد قطع الأغذية عالية السكر كالتمر مثلاً، كل بأصابعك الثلاثة أو بالملعقة بدل الأكل بيدك، قلل السكر في الشاي تدريجياً، قلل المشروبات الغازية لتكون مرة أو مرتين في الأسبوع وهكذا. 5- امضغ طعامك بهدوء، لا تستعجل في الأكل وتجنب الوجبات السريعة التي تجبرك على تناول طعامك بسرعة وفي مكان قد لا يكون ملائماً ولا هادئاً وكأنما صارت الوجبة للتخلص من الجوع فقط وتنسى أنها لتغذية جسمك بما يناسبه وتزويده بالعناصر الغذائية الضرورية. 6- انتصر على أعداء الصحة الملح والسكر، حاربهما بكل قوة وتصميم، استخدم كل مهاراتك وقدراتك للانتصار عليهما وبعدها ستنعم بالصحة بإذن الله. الطريقة السليمة لتحسينها يمكن لبعض الأفراد والأسر تحسين نمط حياتهم ولكن يصعب تعديل نمط حياة المجتمع كله، بل سيعاني الكثيرون من صعوبة تحسين نمط الحياة بمعزل عن البيئة الخارجية وتأثير الأقارب والأصحاب والإعلام والدعاية. عندما ترغب في تحسين نمط حياة أفراد أسرتك وتضع برنامجاً صحياً رائعاً لهم، تقابلك أول الصعوبات وهي زيارة أطفالك لأقاربهم أو أصدقاء العائلة أو المناسبات العامة والخاصة، حيث لا يهتم بعض أولئك بتحسين نمط حياتهم وربما يتناولون بعض الأغذية الضارة والتي ربما تكون جاذبة، فتفشل كل خططك لتحسين صحة أفراد أسرتك. إذن ماذا علينا فعله لتحسين نمط حياتنا؟ التجارب العالمية والمنطق يؤكدان ضرورة تعديل نمط حياة المجتمع كله ولو بشكل مرحلي وتغيير نسبي على فترة طويلة. قصة حقيقية حصلت في فلندا عام 1972 م حيث أوضحت الإحصاءات ارتفاع الوفيات بسبب أمراض القلب والشرايين وبعض الأمراض المزمنة الأخرى، فوضعت الحكومة هناك خطة لمعالجة ذلك تتضمن توفير منتجات الحليب قليلة وخالية الدسم وتشديد أنظمة السماح بالتدخين وتحسين التغذية المدرسية مع استخدام برامج توعوية عن طريق الإعلام والمدارس والرياضة وتظافر الجهود مع الوزرات الأخرى مثل وزارة الزراعة والتعليم لإيصال الرسائل التوعوية للجميع ولتوفير الأغذية الطازجة والصحية، وبعد عشرين سنة أي في عام 1992 م تقلصت نسب الوفيات بسبب الأمراض المزمنة إلى 57 %، واستمرت تلك الإستراتيجيات إلى أن وصل الانخفاض في الوفيات في عام 2003 م إلى 75 % مما كان عليه عام 1972 م. وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك هو البدء بالتعليم في المدارس من حيث تحسين نمط التغذية بتنظيم التغذية المدرسية السليمة واستبدال المقاصف بالمطاعم المدرسية وتوفير وسائل الأنشطة البدينة المناسبة لكل مرحلة دراسية للبنين والبنات وتحسين المناهج الصحية وتدريب المعلمين والمعلمات لتطبيق الأنماط الصحية السليمة وبعدها سيتبعهم طلايهم. من الوسائل الناجحة لتحسين نمط الحياة توفير أماكن مناسبة للمشي ومزاولة النشاط البدني للأفراد والعوائل للكبار والصغار، وأقترح على وزارة الشئون البلدية والقروية استبدال ألعاب الأطفال في الحدائق بألعاب النشاط البدني وهي العاب جميلة وترفع اللياقة البدنية للأطفال في نفس الوقت، ويفضل الألعاب الجماعية التي تحسن العلاقات والتواصل بين الأطفال. ويمكن للجهات تصميم المنشآت الرسمية والأهلية لتكون داعمة لنمط الحياة الصحية وتخصيص أماكن للمشي داخل مبنى المنشأة أو حوله وتشجيع استخدام الدرج في منشآتها حيث لا تعطى السلالم (الدرج) أي أهمية وغيرها من الأفكار الصحية، كما يمكن وضع مواقف للدرجات الهوائية لتشجيع الموظفين على استخدامها في التنقل، والبلديات يمكن أن تساعد في تقليل استعمال السيارات بتنظيم المواقف التي تشجع الناس على المشي. ومن الأهمية بمكان تشجيع المطاعم الصحية وتحديد اسعارها لتكون في متناول الجميع وتشديد الرقابة على المطاعم غير الصحية ووضع تنظيم يساعد المستثمرين في الاستثمار في محلات الأغذية الصحية الطازجة والمصنعة. كما يمكن لوزارة البيئة والزراعة والمياه تشجيع المزارعين على الزراعة العضوية ومساعدتهم في تسويقها وهو الأمر الهام الذي يقف عائقاً أمامهم لزراعة المحاصيل العضوية. من الأدوار المهمة للجمعيات النسائية ومراكز التدريب، تدريب النساء على إعداد الأكل الصحي وتسهيل الحصول عليه. وقد أثبتت التجارب العالمية مثلاً في جنوب أفريقيا وسنغافورة نجاح تدريب الأمهات على العادات الصحية مما قلل نسب حدوث المراض المزمنة بشكل كبير جداً حسب الإحصاءات والدراسات الطبية. تقنين اشتراطات مكونات الأغذية بالذات من المعادن والفيتامينات الطبيعية وتدعيم بعض الأغذية ببعض العناصر مثل فيتامين (د) وحمض الفوليك والحديد واليود وتقليل الدهون المهدرجة والمشبعة والملح (الصوديوم) والسكر وبذل المزيد من تطوير وتوضيح بطاقة مكونات الأغذية من ضروريات تحسين نمط الحياة وقد بدأت الهيئة العامة للغذاء والدواء في تحسين تلك الاشتراطات ولكنها مازالت في بداية الطريق والذي نأمل تسريع خطواته للمحافظة على صحة المجتمع. من المهم أن تكون تكاليف تعديل نمط الحياة معقولة ومشجعة لكي يستمر البرنامج وتتبناه الجهات والأفراد والأسر، وهناك أبحاث دولية كثيرة تثبت أن استخدام وسائل تعزيز الصحة تخفف تكاليف العلاج ومدة بقاء المرضى في المستشفيات بنسب تصل الى 70 %، وهذا سيوفر على الدولة المليارات سنوياً مع المحافظة على صحة الناس مما يعني رفع إنتاجيتهم وكفاءة العمل مما يحقق رؤية المملكة 2030 بكل اقتدار. ضرورة تشجيع الدراسات والبحوث من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أو الجامعات ومراكز البحوث الصحية لتحديد أولويات نمط الحياة التي يجب البدء في تحسينها عاجلاً وتلك التي يجب وضع خطط محددة لتحسينها مع الزمن. المطّلع على وضع الدراسات والمسوحات الوطنية يدرك أن هناك هوة كبيرة جداً بين نسب المشاكل الصحية وطرق علاجها، ومن أقرب الأمثلة على فقدان البيانات التي يمكن بناء برامج صحية عليها عدم وجود تحليل حديث للأغذية السعودية فهل تصدقون هذا؟ *كيف يمكن للعاملين في الخدمات الصحية والغذائية اختيار الصنف المناسب للمرضى وهو لا يملكون تحليل مكوناته أصلاً؟ ما ذكرته هو مختصر لبعض الطرق لتحسين نمط الحياة والصحة والتغذية فلا يمكن الإلمام بها في صفحة واحدة ولكن لعل ماذكرته يجد القبول لديكم ولدى الجهات التشريعية وأصحاب القرار. حفظ الله بلادنا ومجتمعنا من كل الأمراض والأخطار. Your browser does not support the video tag.