لم يعد هناك مجال للشك إزاء عالمية حقوق الإنسان كمفهوم يحمل بين جنباته اختلاف الثقافات والمرجعيات، جاعلا من الخصوصيات إثراء له. ولذا بات مفهوم حماية حقوق الإنسان في وقتنا الراهن مصدرا جديدا للشرعية بالمفهوم السياسي، لتسقط تلك الأفكار التقليدية للمدرسة الواقعية في العلاقات الدولية. وهو ما أدى بطبيعة الحال لتحول لافت في مفهوم الدولة وواجباتها، بدليل أن من يطلع على التقارير الدولية يجد فيها انتقادات للحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان، ما جعل المناداة بحماية حقوق الإنسان، قانونا وواقعا بعدما كانت شعارا مثاليا قاصرا على المجتمعات المتقدمة. على أن الشريعة الإسلامية جاءت بأحكام شمولية وثابتة، مرسخة مفاهيم العدل والتسامح والإخاء والمساواة، كما تضمنت في مبادئها ومنذ أكثر من ألف وأربعمائة عام كل الحقوق، بل وكفلتها وأوجبت على ولي الأمر حمايتها، ما يعني أن حقوق الإنسان في الإسلام وحدة متماسكة وغير قابلة للتجزئة يتمتع بها جميع الناس دون تمييز، منطلقين في ذلك من النص القرآني الكريم (ولقد كرمنا بني آدم). وبما أن المملكة لا يمكن لها أن تعيش بمعزل عن العالم، فإنها تعيش حالة من الحراك، ولا تفتأ أن تؤكد تمسكها بنهجها المعتدل في الحفاظ على ثوابتها من جانب، والتناغم مع المفاهيم العصرية من ناحية أخرى،منطلقة من دستورها، وفي ذات الوقت اندمجت مع المجتمع الدولي بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية التي يتوجب عليها تنفيذها والالتزام بها. غير أن هناك مفارقة بين مفاهيم حقوق الإنسان العالمية وبين أساليب بعض دول الغرب التي تتمظهر بشكل سافر في الانتقائية وتطبيق المعايير المزدوجة، حيث ينكشف هذا الخلل عندما تمارس هذه الحقوق داخل بلدانها ومع مواطنيها فتجدها تحترمها وتلتزم بتطبيقها، في حين أنها تضرب بها عرض الحائط عندما تتعامل بها خارج بلدانها أو تمارسها مع الغير . الغرب يتكلم لغة مختلفة حين يأتي الأمر على حقوق الشعوب المسلمة في السودان وأفغانستان وباكستان فضلا عن حقوق الأقليات المسلمة في روسيا وبعض الدول الأوروبية. كما أن ممارسات إسرائيل العنجهية مع إخواننا الفلسطينيين أبلغ دليل على ذلك. إشكالية الغرب تحدث عندما يدخل في صراع بين المبادئ والقيم مع المصالح والمكاسب، ولذا يرى البعض أن التمسك بكونية حقوق الإنسان هو أحد الطرق الناجعة لمواجهة هذا التناقض الفاضح. • عضو مجلس الشورى،عضو هيئة حقوق الإنسان سابقا