جدة - منى الحيدري الوطن حب وعشق أبدي والمواطنة ثقافة وقيمة لها أبعادها ودلالاتها السامية في صون المجتمع وحفظ مكتسباته وحماية حضارته وحاضره ومستقبله أمام كل الصروف وتحت كل الظروف. فالوطن الغالي دائماً على حق ويقين ثابت لا يقبل الشك أو التراخي في كل المواقف وهذا هو المحك الحقيقي للوطنية الذي تنصهر فيها معادن المشاعر الحقيقية. فالوطن والمواطن علاقة سامية روحية وفطرية تربط وجدان الإنسان بالمكان، وتشكّل لغته وثقافته وتزخرف أحلامه التي يتطلع دائماً إلى أن يراها واقعاً.. لأنه الوطن. يتمنى دائماً أن يراه شامخاً يضاهي الأوطان وينافس تطورها ويسابق خطواتها ليكون أولاً وبعيداً عن أقرب المنافسين، حينما يلتفت لا يلمح ظل منافس له.. هذا الشعور المتفرد والحبور المطمئن الذي يُسكن جغرافية الأرض في قلب ساكنها، كما هي الروح من الجسد.. لابد أن له أسبابه التي تشعر ولا تفسر.. إذ تعجز أبجدية اللغة عن وصفه فتتوارى الحروف خجلاً. لتتناثر الأسئلة فوق السطور متسائلة.. كيف يمكن أن تعرف المواطنة؟ وبماذا توصف هذه العلاقة بين المواطن والوطن؟ وكيف يفسر هذا الشعور الوطني السامي؟ وماهيته؟ ومتى يقال فلان وطني والعكس؟ فطرة روحية تصف الشاعرة والكاتبة زينب غاصب المواطنة بأنها رديفة الوطن قائلة: فكما حبك لوطنك فطرة داخلية الروح، تعشقه بكل تفاصيله، وسلبياته، وإيجابياته، وتضاريسه، وتعلو بك إلى أقاصي فضاءاته في تراثه، وحاضره، وماضيه، وأبجديات طموحه، فالمواطنة تترجم الأفعال بساعديك مع سواعد أشقاء وطنك من الجنسين. وأضافت: الوطن ليس شعاراً نتقمصه في لحظة ما، أو حدث ما، الوطن هو الشعار الأبدي لحياتك، ولنموك، ولبقائك، تعميراً، وتطويراً، وأمناً، وبالفعل مشاركة، في فتح آفاق خدمته، بما تحمله من إمكانات جهودك في عملك، في توثيق صلتك به، انتماء، وولاء، وفداء، وغرس قيمه ومبادئه في سلسلة حياتك من الطفولة، إلى الشباب، إلى النضج، إلى التضحية في سبيله بروحك، ومالك. الوطن هو الحياة: ميلادك، خطواتك، أحلامك، طموحاتك، إنجازاتك، ذكرياتك، لأنك عندما تكون بلا وطن تفقد هويتك الحياتية، وتفقد بهجة المعاني المرتبطة بوجوه أهلك من الأجداد إلى الأحفاد. الوطن شعورك المختلط بشرايين رماله، من الوريد إلى الوريد، في بحاره ترى سفائن حضوره في العالم، وترى في بره طوابير أثره في العالم، وترى صورته في وجهك، ومجده في وهجك، وحضارته في قناديل تاريخك، والمواطنة هو إيمانك المطلق بهذا الوطن في كل معطياته، والدفاع عنه في مخاطرة، وثباتك في سلمه وحربه، خالياً من أطماع الذاتية. ومنخرطاً في صفوفه، منافحاً عنه ولو كره الكارهون.. معتزاً به في أصالته ومآثره. وحول مقولة هذا وطني وهذا بلا وطنية تقول: القول والفعل، هما أيقونة التفريق، في المواقف التي لا حياد فيها، إما مع وطنك، وإما ضده، ونحن في هذا الوطن لا يعرف الشعب السعودي الحياد في وطنه، جنباً إلى جنب مع حكومته الغالية التي لم تكن إلا في خدمته، وبجهودها وصل هذا الوطن العظيم إلى أعلى المستويات في مختلف جوانبه، وسبقنا الكثير من الأوطان التي كانت تنظر إلينا من علٍ. وتكمل: سيبقى وطننا شامخاً بأفعاله، وأمجاده. لا نقول وصلنا لمرحلة الكمال فلا وطن على الأرض من أوطان العالم وصل للكمال، ولكن العمل على نمائه مستمر. وستبقى المملكة شامخة بوطنها، وبشعبها، وبإنجازاتها. وكل من عاداها سابقاً سقط، وسيسقط المتأخرون منهم. وسيبقى وطننا شامخاً، يرفرف على مواطنيه ومن يقيم فيه أمنا، واستقراراً، وعطاء وسلاماً. إنسانية متجذرة ويعرف الدكتور ظافر الشهري رئيس نادي الأحساء الأدبي المواطنة بشعور الفرد بالانتماء للأرض التي ولد ونشأ وأقام فيها، وهو شعور بحرية العيش والمشاركة في البناء والتشييد، والحق في المشاركة في تسيير أمور وإدارة شؤون الوطن وفق الموقع والمسؤولية، مع واجب الدفاع عنه من أيّ اعتداء داخلي أو خارجي يُفسد وحدته أو حريته أو ملكيته أو أمنه. والمواطن هو كل فرد ينتمي لأرضه حر له حق المشاركة في الوظائف العامة والتمتع بالحقوق التي لا تتعارض ومصلحة الوطن، وعليه واجب حماية الوطن من كل ما يهدد سلامه الداخلي «مثل الخروج عن القانون والنيل من حرية الأفراد وملكياتهم وتهديد حياتهم» وسلامته الخارجية «من العدوان الخارجي الذي يهدد سلامة الوطن بشكل عام» ويرى د.الشهري أن «العلاقة بين المواطن ووطنه» تتحدّد من جهتين، جهة المواطنة باعتبارها الإطار القانوني والأخلاقي الذي يمنح حق المواطنة حسب ما ينص عليه القانون الذي ينظم الحياة السياسية داخل الدولة، من قبيل حق الحياة والعمل والملكية، والمشاركة في تدبير الشأن العام، وتحمي المواطن من أي إسراف أو تطرف يهدد وجوده المادي أو المعنوي ضمن ما تنص عليه أنظمة الدولة وقوانينها. ومن جهة المواطن باعتباره الفاعل الأساسي في بناء الوطن والمشاركة في صناعة حضارته وتطوّره وحمايته والدفاع عنه من أي اعتداء داخلي أو خارجي، لافتاً إلى أن العلاقة تتحدد في سياق العلاقات بين واجبات المواطن وحقوقه داخل وطنه «وهو يعبر عنها غالباً بتبادل المنافع». ووصف الشعور الوطني بشعور الانتماء للأرض (الوطن) والإحساسُ بالانتماء هو الذي يضمن للفرد والجماعات بقاءهم الاجتماعي وهو الشرط العميق الذي يدفع المواطنين إلى الدفاع عن أرضهم ووطنهم ويمنح لهم الشعور بالولاء. لأن الشعور بالولاء إلى الوطن والدولة شعور كلي يتجاوز كل الانتماءات الأخرى الحزبية والمذهبية والدينية والطائفية والقبلية. لأن الدولة هي الاسم الجامع للوطن وشرط تحقيقه. وأكد على إن المواطن الحقيقي هو من توفرت فيه الشروط القانونية التي تضمنها الدولة والنظام السياسي من جهة ومتى أدرك المواطن فعلياً أنه فاعل في وطنه (القيام بالواجب) ويتمتع بحقوقه، وأنه بهذه الشروط يضمن كرامته الإنسانية. وكأنّ المواطنة التي يحملها هي الشرط الموضوعي الذي يضمن بها الإنسان إنسانيته. وهذا هو سر الولاء للوطن والتضحية في سبيله. مشاعر متنامية وعنون المثقف خليل الفزيع معنى المواطنة بالانتماء الوجداني والروحي والعاطفي والواقعي للوطن بما يعنيه ذلك من مسؤوليات مباشرة حيال كل ما يتعلق بشؤون الوطن في أفراحه واتراحه وهي مشاعر تتنامي مع الإنسان بقدر ما يقدمه الوطن لأبنائه من أمن ورخاء مما يعمق العلاقة بين الوطن والمواطن وهذه العلاقة تبدأ منذ الولادة ليجد الإنسان نفسه وسط أسرة تحيط به ومجتمع يؤثر في صياغة شخصيته ودولة ترعاه مؤسساتها وتحميه وتوفر له سبل الحياة الحرة الكريمة. فالوطن بالنسبة للإنسان ليست الأرض فقط بل كل ما تحمله هذه الأرض في جنباتها من أهل وأصدقاء ومعارف وذكريات ومنجزات وكل ما يجعل الأرض جنة الإنسان أو جحيمه. وتجسيداً للحقوق والواجبات عندما تتساوى الحقوق والواجبات تنشأ العلاقة السوية بين الوطن والمواطن وتصبح الأرض جنة، وأي خلل في هذه المعادلة يعني خللاً في هذه العلاقة وهنا تصبح الأرض جحيماً. فالجنة أن تكون حقوق المواطن التي يأمل الحصول عليها بقدر الواجبات التي يؤديها في أطار الولاء للوطن. لكن الجحيم هو أن يطالب بالحقوق دون أداء الواجبات بوحي أصوات نشاز معلومة أو مجهولة المصدر، وهذا حتماً لا يؤثر على المعنى العام للعلاقة الوثيقة بين المواطن ووطنه لأنه عندما يتعرض الوطن لخطر فإن المواطن لابد أن يستشعر هذا الخطر لأنه يستهدف كيانه ووجوده وهنا لا مجال للمساومة أو المزايدة على حب الوطن لأن المسألة تصبح مسألة مصير وعندها لابد من حمايته وكيان لابد من الدفاع عنه وهنا يصبح الجميع في خندق واحد للذود عن الوطن ومقدراته. والكل في هذه المسؤولية سواسية لأن الوطن هو مظلة المواطن التي تحميه من عاديات الزمن، وحصنه الذي يحقق له نعمة الأمان وبيته الذي يشعره بالاطمئنان وقد قيل: وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق مؤكد أن الكل وطني في مواجهة كل ما يهدد أمن المواطن وازدهاره وسلامة الوطن ومنجزاته كل من موقع مسؤوليته ليصبح الجميع جنوداً في وجه أعداء الوطن. تجسيد حب الوطن يعني ضرورة رفع رايته في السلم والحرب والذود عن حدوده في السراء والضراء وحماية مكتسباته في اللين والشدة لأن قدر المواطنين مرتبط بقدر الوطن وقد قيل: ولا خير فيمن لا يحب بلاده ولا في حليف الحب إن لم يتيم هوية محسوسة وتحدث الدكتور عبدالسلام الوايل أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة الملك سعود قائلاً: سأتجافى عن التعريفات الملتزمة بالصرامة العلمية لمفهوم المواطنة، فهي متوفرة في المعاجم. وسآتي بتعريف ينطلق من ملاحظة طريقة تعبير المواطنة عن نفسها في سلوكيات مواطنينا. ويمكن في هذا السياق تعريف المواطنة بالإحساس المشترك بهوية جامعة والغيرة عليها. وبالنظر للسبورة العظمى للشعب، أي وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً تويتر والواتس، فإنه يمكن ملاحظة نجاح الوطنية السعودية في جعل نفسها هوية يحس بها الفرد ويعرف نفسه من خلالها وبالتالي يحدد على أساسها كثير من مواقفه ورؤاه وسلوكه. ولفت إلى وجود العديد من التفسيرات لنجاح الشعور أو بالمواطنة. فالمواطنة تنبع أساساً من الرجوع لهوية الوطن. والوطن كفكرة حديثة، أي كأطار محدد بالدولة الوطنية، قائم على الهوية الجامعة، كاللغة في الأوطان الأوروبية. لكنه مع الزمن غداً غير مشروط بهذا الشرط ومتعد له مما أضفى تركيباً على المفهوم أضاف له الأبعاد المادية الملموسة لمفهوم المواطنة، أقصد الأبعاد المعاشة في الحياة اليومية كالإنطواء تحت منظمة هائلة الحجم هي الدولة، لقراراتها ووجودها تأثير مباشر على كيف يعيش الفرد حياته. لذا، يفسر الشعور القوي بالمواطنة بكون المواطنة هي العامل الأكثر تأثيراً في كيف يعيش الأفراد حياتهم. ونلاحظ هذا الأمر في المواطنة السعودية. فالمملكة نتجت عن توحد أقسام كبيرة من الجزيرة العربية. ولو أن أحد هذه الأجزاء لم يكن ضمن أجزاء الوطن، لكانت حياة أفراده اليوم وظروف عيشهم مختلفة عما هي عليه اليوم. ومن هذا الشعور الغامض يكون الأم وطناً ومرجعاً ينتج الشعور باليتم حين فقدان الوطن، كما يحدث للأوطان التي تجتاحها الاضطرابات فيضطر قسم من سكانها للجوء لأوطان بديلة. وأكد الوايل على أن هناك مسألة في غاية الأهمية وهي كيف تعبر المواطنة عن نفسها. في سياقنا الإقليمي الذي يشهد اضطرابات وصراعات وفي تجربتنا المحلية، نجد المواطنة، أو الشعور بالغيرة على الوطن، تعبر عن نفسها من خلال الدفاع عن حياض الوطن وعدم الرضا بالمس به أو بقيادته أو بتاريخه أو مكانته. نلاحظ ذلك من خلال بسالة الجنود في المعارك ضد الإرهاب داخلياً وضد الأعداء في الحروب مع الخارج. ونلاحظه في الأداء اللفظي لجموع الشعب حين يُمس الوطن أو رموزه وقادته وتاريخه. هذا أمر عظيم ومحل فخر. وبالنظر إلى قائمة من السلوكيات نحتاج أن «ندخل» إلى عناصر المواطنة قائمة أخرى من السلوكيات لا تكتمل المواطنة إلا بها. نحتاج أن نعد التعدي على حقوق الآخرين في الشوارع، مشاة وقائدي سيارات، والعدوان على البيئة، حيوانات وأشجارًا، واحترام النظام العام وكافة أشكال حقوق الآخرين، نحتاج أن نعد كل هذه السلوكيات وما شابهها أموراً من «خوارم الوطنية». فالسلوكيات هي مصاديق المشاعر. الشهري: ضمان بقاء اجتماعي الفزيع: انتماء وجداني مسؤول الوايل: هوية إحساس جامعة Your browser does not support the video tag.