لا شك أن التراث العمراني يُشكِّل طاقة كامنة، وقوة دافعة للتنميّة الاقتصاديّة يمكن استغلاله في مشروعات ثقافية وسياحية متعددة، بوصفه من أهم روافد السِّيَاحة، ومورد استقطاب رئيس للسياحة الثقافيّة ذات الارتباط الوثيق بالتُّرَاث الثقافي بشقيه المادي والروحي. ذلك أن السياحة أصبحت حقيقة اجتماعية وإنسانية واقتصادية وثقافية لا يمكن إلغاؤها أو التراجع عنها، ويكتسب أثرها بالنسبة للمواقع التراثية والمواقع التاريخية أهمية خاصة، بل يتزايد عمقاً واتساعاً نظراً للتطور الذي تشهده صناعة السياحة بكافة نشاطاتها في الوقت الحاضر، وتركيزها الكبير على جوانب التاريخ والثقافة. لقد أضحت العناية بالتُّرَاث العُمْرَاني والحفاظ عليه سِمة من سمات الدول المتقدمة، كونه شاهداً حياً على أصالة وعراقة العُمرَان، وارتباطه الوثيق بالبيئة المحلية، والعادات والتقاليد؛ فهو يُعَبِّر بصدق عن إرثها الاجتماعيّ والحضاري، فكلما تقدمت الدول ثقافياً واقتصادياً وارتفع مستوى تحضرها، كلما زادت عنايتها بتُرَاثها العُمْرَاني، وعملت على المحافظة عليه من الطمس، وحمايته، وتأهيله، وتنميته، واستثماره اقتصادياً. ولكي تبقى مواقع التراث العمراني تؤدي دورها بكفاءة فانه ينبغي دراستها وترميمها والحفاظ عليها، والعمل على اعتبارها عنصراً رئيساً في السياسات المعنية بتطوير السياحة، وعلى جميع المستويات من كونها الدعامة الرئيسة للتوجهات المطروحة أمام السياحة الثقافية التي تشهدها بلدان العالم اليوم. إن السياحة الثقافية هي ذلك الشكل من السياحة الذي يهدف ضمن غاياته الأخرى إلى اكتشاف المعالم التراثية والمواقع التاريخية، والتي باتت تُمثِل وفق الإحصائيات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية حوالي 37% من إجمالي سوق السياحة الدولية، وتمارس اثراً ايجابياً على مواقع التراث العمراني عن طريق صيانتها والمحافظة عليها؛ تنفيذاً لغايات السياحة المتمثلة في انتقال الإنسان للمتعة والترويح والاطلاع على مخلفات الماضي، كما أن هذا الشكل من السياحة يبرز في الحقيقة الجهود التي تبذلها البشرية لصيانة التراث الثقافي بسبب فوائده الاجتماعية والثقافية بالنسبة للمجتمعات المحلية. ومهما تكن دوافع ومزايا السياحة الثقافية، فإنه ليس من السهل دراستها بمعزل عن الاستخدام العشوائي والمسرف للمواقع التراثية، بل يجب أن تقوم على ضرورة احترام خصوصيات المواقع وصيانتها؛ وتوظيفها بشكل سليم؛ لكي تؤدي دورها كعناصر بارزة في الجذب السياحي، وانتشار الثقافة، وتنظيم الحركة السياحية المندفعة نحو استخدام المواقع لتفادي الاكتظاظ فيها. وتأسيساً على كل ما أوردناه، وبالنظر إلى رصيد المملكة العربية السعودية من تلك المعالم والمواقع التراثية التي تغطي مساحات واسعة من مناطق المملكة فإنها تُعدّ ثروة إضافية قد تنال الأولوية على جميع الاعتبارات الأخرى التي قد تُبَرر من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عن أهميتها بالنسبة للهوية الوطنية كجزء من احترام التراث أولاً، ثم لجذب انتباه العالم من حولنا إلى عظم هذا التراث، أو لتأثيره المباشر على صناعة السياحة بصورة شاملة. Your browser does not support the video tag.