التسامح نجاة من يوم تستجدي فيه العفو دون إجابة.. يوم لا تجد فيه صدى لاعتذاراتك.. تقف فيه عارياً من حججك الواهية وأقنعتك الكاذبة.. نجاة من ذاك اليوم الذي تنعقد فيه ألسنتهم عن العفو عنك.. اليوم الذي تتمنى فيه لو كنت تخلصت من كل أحقادك، قبل أن تتكاثر عليك ويضيع أصحابها. وكم هو مؤلم أن يضيع عمرك في مطاردة الثارات وحياكتها.. وفي الانشغال عن نفسك.. وعن قدرك.. وعن طريقك.. هارباً من أخطائك وخلافاتك لتواصل تأجيل استحقاقاتها.. تأمل وجهك المقطب بالأحقاد.. لن تسرك ملامحه.. وأنت تقرأ أسماءهم واحداً تلو الآخر مرسومة على جبينك.. تكاد وجوههم أن تحتل ملامحك.. وتأخذ اسمك.. حتى بات الناس يعرفونك بمعاركك الخاسرة.! سامح ثم واصل.. لا تحمل أحقادك معك.. تخفف منها ومن الثارات التي أرهقت كاهلك.. تلك التي تكاد تكسر ظهرك.. وتقتل ابتسامات كنت تحتاجها.. ودقائق قد لا تدرك ثمنها.. نم قرير العين.. وإذا تمرد الصفح وأبى الحضور فلا تتردد.. اذرفها دمعة وتخلص من علقمها.. لا تتجرعها وتنم.. ابصقها على قارعة الحياة وامض لا تذكرها.. ولا تعبأ بمن يلتقطها بعدك. نحن البشر مثلك.. مخلوقات من نسيان.. عينان وأذنان وأطراف كثيرة.. لكن القلب واحد.. لا يحتمل كل ما ندس فيه من أحقاد. يا له من مقطع فيديو لرجل طاعن في السن بنصف ذاكرة.. يطلب من أحفاده إيصاله إلى صديق له في قرية أخرى.. ثم يجد صدفة صديقه الثمانيني في منتصف الطريق إليه، يتسابقان نحو بعضهما ثم ينشغلان بتبادل العفو.. «سامحني». يقول فولتير: إن «التسامح نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية.. وإننا جميعاً من نتاج الضعف، هشّون وميّالون للخطأ.. دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل.. وذلكم هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة.. المبدأ الأول لحقوق الإنسان كافة». أو كما قال الشافعي: «لما عفوتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ.. أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ». التسامح بحد ذاته تضحية، تتطلب الكثير من الشجاعة والتسامي فوق حسابات الانتصارات الوقتية، ولو كان الأمر سهلاً كنا سواسية، لذلك يبدو القرار صعباً إلا على من يقوى على طمر أحقاده، والمضي قدماً نحو السعادة الحقيقية التي تكمن في العطاء والتسامح. باختصار هي كما يقول الفيلسوف الهندي أوشو في رؤيته للتسامح: «إنه يعني أنك تجاوزت حاجات الجسد وتخطيت كل الحواجز النفسية، وأنك تحررت من عبودية الجسد، وأصبحت سيد نفسك.. تتصرف بوعي، غير خاضع لقوى خارجية تحدد قرارك، حر التصرف بكامل طاقتك، صار بمقدورك تحويل الشغف إلى عطاء». Your browser does not support the video tag.