بعد ثلاثة أشهر على تكليفه تشكيل الحكومة اللبنانية، لا يزال رئيس الوزراء سعد الحريري عاجزاً عن إتمام المهمة أمام عوائق عدة تثير الخشية من تجدد الشلل المؤسساتي في هذا البلد الصغير وغرقه في أزمة اقتصادية حادة. في مايو الماضي جرت الانتخابات التشريعية الأولى في لبنان منذ تسع سنوات وكلف إثرها الرئيس اللبناني ميشال عون، الحريري تشكيل الحكومة الجديدة على أمل إعلانها سريعاً بعدما كانت في السابق تستغرق أحياناً أشهراً عدة بسبب الخلافات بين الأطراف السياسية. ويقول آلان عون النائب عن «التيار الوطني الحر»، الذي كان يقوده ميشال عون قبل وصوله إلى سدة الرئاسة، لفرانس برس «الهدف كان تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، حتى أننا كنا نأمل أن يحصل ذلك خلال أسبوعين» فقط. لكن بعد أكثر من ثلاثة أشهر، لم تتمكن القوى السياسية بعد من إحداث أي خرق في الملف ما يقف حائلاً أمام حصول لبنان على منح وقروض بمليارات الدولارات تعهد بها المجتمع الدولي دعماً لاقتصاده المتهالك، كما يثير الخشية من تدهور أكبر قد ينعكس أيضاً على الليرة اللبنانية. ويعود السبب الأول لتأخر تشكيل الحكومة إلى «اختلاف الأطراف السياسية على تقاسم الحقائب الوزارية»، وفق ما يوضح مستشار الحريري نديم المنلا لفرانس برس. وفي لبنان ذي الموارد المحدودة، لا يمكن تشكيل الحكومة من دون توافق القوى السياسية الكبرى إذ يقوم النظام السياسي على أساس تقاسم الحصص والمناصب بين الطوائف والمجموعات السياسية. ولطالما كان تشكيل الحكومة مهمة صعبة، ففي العام 2009 احتاج الحريري خمسة أشهر لتأليف حكومته مقابل عشرة أشهر لرئيس الوزراء السابق تمام سلام بين العامين 2013 و2014. "حالة طارئة" يرى النائب آلان عون أن لبنان يمر اليوم في مرحلة أخطر من السابق، ويقول «نحن أمام حالة طارئة اقتصادياً». ويعتبر رئيس قسم الأبحاث في بنك عوده مروان بركات أن «من شأن التأخر في تشكيل الحكومة أن ينعكس (سلباً) على الاستثمارات وبالنتيجة على النمو الاقتصادي». ويتحدث بركات عن تدهور سبعة مؤشرات اقتصادية من أصل 11 في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، بينها الجمود في القطاع العقاري حيث تراجعت تراخيص البناء بنسبة 20,1 في المئة. وتراجعت كذلك قيمة الشيكات المتداولة، التي تدل على مستوى الاستهلاك والاستثمار، 13 في المئة بين يناير ويوليو، وفق المصرف المركزي. وإلى جانب ذلك كله، تزداد الخشية من تدهور الليرة اللبنانية مقابل الدولار ما دفع المصارف إلى زيادة الفوائد على الليرة ووصل الأمر ببعضها إلى تحديدها بنسبة 15 في المئة. ومن شأن الأزمة الاقتصادية، التي حذر منها الحريري أيضاً، أن تعيق تنفيذ مشروعات استثمارية كبرى يفترض تنفيذها بعد تعهد المجتمع الدولي في أبريل الماضي بمبلغ يفوق 11 مليار دولار على هامش مؤتمر «سيدر» لدعم الاقتصاد اللبناني. ولا يمكن للبنان الحصول على القروض والمساعدات التي تعهد بها المجتمع الدولي طالما الحكومة لم تشكل بعد. وربطت معظم الجهات الدولية والمانحة مساعداتها بتحقيق لبنان سلسلة إصلاحات بنيوية واقتصادية وتحسين معدل النمو الذي سجل واحداً في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية مقابل 9,1 في المئة في السنوات الثلاث التي سبقت اندلاع النزاع في سورية المجاورة. وبلغ الدين العام في لبنان 82,5 مليار دولار، ما يُعادل نسبة 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويحتل لبنان بذلك المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم. وحذر البنك الدولي، الذي قدم للبنان أكثر من أربعة مليارات دولار في مؤتمر سيدر، في وقت سابق من «دقة» وضع الاقتصاد اللبناني، خصوصاً في ظل وجود قروض «عالقة» في إدراج مجلس الوزراء أو البرلمان بانتظار تحويلها استثمارات فعلية. وبرغم المؤشرات الاقتصادية السلبية، يؤكد مسؤولون أن سيكون بمقدور لبنان الحصول على مخصصات مؤتمر سيدر، الذي رعته فرنسا. ويشهد لبنان منذ العام 2005 على أزمات سياسية متلاحقة زاد النزاع السوري في العام 2011 من تعقيداتها. وبعد أكثر من عامين ونصف من الفراغ في سدة الرئاسة والشلل المؤسساتي، جرى التوصل في 2016 إلى تسوية أتت بعون رئيساً للجمهورية وبالحريري رئيساً للحكومة. Your browser does not support the video tag.