يوجد قاسم مشترك بين الشعراء إذ لا تقرأ لأي شاعر أو تستمع لقصائده وأبياته إلا وستجد شيئاً من ذلك المشترك، والذي يتمثل في حرص الشاعر على غرس وتنمية القيم، إما مباشرة أو ضمن المعاني، وتلك القيم أو ما اتصل بها تأتي متفرقة في كل أغراض الشعر مدحاً أو نصحاً أو وصفاً أو وصية أو فخراً أو حماسة.. إلخ، بحسب ما يناسب تضمينها، وقد لا يفرد الشاعر لها غرضاً مستقلاً، لهذا منهم من يفتخر بإكرام الضيف، ومنهم من يذكر حميته لأهله ووطنه، وآخرون يذكرون خصالهم التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم حيث تربوا على الطيب والخصال الحميدة، وكل ما يعززها ويرغب الآخرين فيها، وهكذا يتصل الفخر بالتربية والوفاء والمعزة ودروب المجد كلها من القيم النبيلة التي هي في أصلها عزيزة، ومن المكارم ما يعززها الشعر ويغرسها الأدب في المتلقي، ولهذا أحببنا أن يكون للشعر وجود في ثقافتنا لهذا السبب. فعلى قيمة صلة القرابة والحفاظ على رابطة الأخوة، والتعامل الحسن مع الآخرين تأسست قيم متعددة استقت رحيق الحياة منها، وامتدت جذورها من تلك الصلة تتغذى من تربتها، لأنه ينبني عليها الكثير مما يقوي النسيج الاجتماعي والتعايش بين أفراده بأمن وأمان وسلام، على أنه ينهار كل بنيان بفقد رابطة الأخوة. ومع أهميتها كرابطة أسرية واجتماعية فإنها ذات أثر إنساني، وفي الوقت نفسه مرتبطة ارتباطاً قوياً بفطرة الفرد كونه اجتماعياً بطبعه محب للعلاقات مع إخوانه وبني جنسه والعالم من حوله يأنس بهم وإلا استوحش، ونكدت معيشته، فهو لا يعيش وحيداً فريداً في معزل عن الجماعة، ولا يهنأ بالعيش دون اتصال بغيره من الناس. يقول الشاعر: انا الخوي اللي ليا طحت شالك لا ضامتك دنياك والوقت بك مال أنا يمينك شدني في شمالك يمنى بلا يسرى ترى حالها حال إذاً فالعلاقات الاجتماعية وتماسك الأفراد والمجتمع والحث على القيم ذات الصلة والتقارب كلها حاضرة لدى الشعراء، ولم تغب منذ تاريخ الشعر والأدب خاصة ونحن نعرف أن الشعر موهبة يتميز بها مرهف الإحساس ورقيق المشاعر بالدرجة الأولى، ونبع القصيد والبوح به يأتي من عمق المشاعر والأحاسيس، وهاجسها أول محرك ودافع للبوح بالمعاناة، وتلك المشاعر هي التي تستجيب للمحفز ابتداء ومنها يستقي الشاعر مدد المعاني، ويلبسها لباس الأناقة من الأخيلة والصور الفنية ومحسنات بيانها وفنون إبداعه لها. وهاجس الشعر بهذا الارتباط حاضر دوماً في الجانب الإيجابي لدى الشاعر في جوانب العلاقات الاجتماعية، بل وفي كل ما يبني الروابط الطيبة الحسنة في مجتمعه، فهو شغوف بزرع وتنمية القيم الإنسانية، لسببين أولهما أنه يعيش داخل المجتمع وضمن مكونه ونسيجه يتفاعل مع جوانب كثيرة مما يجري فيه، وما يأمله ويطمح له هو ومجتمعه فهو إذاً يهمه. والسبب الآخر: أنه في وضع المسؤول عن التعبير عن رغبات مجتمعه والوقوف معه وترجمة ما يقوله لسان حال ذلك المجتمع، هو ناطق بالمعاناة. تقول الشاعرة ليلى سعد عباس الحربي، معبرة عن شعور وإحساس واضح وصادق عن أهمية الأخوة والقرابة وصلة الرحم والصلة، مؤصلة تلك القيمة النبيلة: الناس واجد مير ما مثل الاخوان ما مثل أخوك اللي يحبك ويغليك ما مثل أخوك اللي صدوق ومعوان تفديه بالغالي وبالروح يفديك يشكي لك جروحه وهمه والأحزان ولا ضاقت الدنيا بهمك يواسيك لو كان لك ربعٍ وناسٍ وجيران ما مثل أخوك اللي عن الناس يغنيك ناصر عبدالله الحميضي Your browser does not support the video tag.